الإدارة بين الفهم والتطبيق: دعوة للتأمل

86
محمداني2

هيثم محمداني

كاتب صحفي

• في عالم الإدارة، لا يكفي أن يكون الشخص جزءًا من منظومة إدارية ليصبح خبيرًا في شؤونها، فالإدارة ليست مجرد ألقاب أو مناصب، بل هي فهم عميق واستيعاب للأدوار والمسؤوليات وآليات العمل الجماعي. ومع ذلك، نواجه في كثير من الأحيان أشخاصًا يتعاملون مع الإدارة من منظور ضيق، إما لعدم معرفتهم بأساسياتها أو لأنهم يختزلونها في سلطة القرار دون إدراك جوهرها الحقيقي.

الإدارة ليست فردية بل تكاملية

الإدارة ليست عملاً فرديًا، بل هي منظومة متكاملة تتطلب تنسيقًا بين الأفراد لتحقيق الأهداف المشتركة. فنجاح أي مؤسسة يعتمد على مدى تعاون أعضائها، والتزامهم بتوزيع الأدوار وفقًا للاختصاصات المحددة، وليس وفقًا للأهواء الشخصية أو الافتراضات غير المستندة إلى أسس علمية.

التوصيف الواضح للأدوار: ضرورة وليست رفاهية

من أكبر التحديات التي تواجه المؤسسات، خاصة في العمل الطوعي والاجتماعي، هو عدم وضوح توصيف المهام والمسؤوليات. حين تغيب اللوائح المنظمة أو لا يتم الالتزام بها، يتحول العمل الإداري إلى ساحة للاجتهادات الشخصية، مما يؤدي إلى تداخل المهام، وغياب المساءلة، وبالتالي ضعف الأداء العام.

عندما تتحول الإدارة إلى تكديس للمناصب

في بعض المؤسسات، نجد أشخاصًا لا يكتفون بتولي منصب إداري واحد، بل يسعون للسيطرة على عدة مناصب في آنٍ واحد، متجاهلين أن العمل الإداري الناجح قائم على توزيع الأدوار وليس احتكارها. هذا السلوك لا يعكس قدرة إدارية، بل هو أقرب إلى ممارسة الدكتاتورية المقنّعة، حيث يصبح القرار محصورًا في يد قلة، بينما يتم تهميش بقية الأعضاء، مما يؤدي إلى اختلال في التوازن الإداري، وعرقلة العمل الجماعي.

من لا يفهم الإدارة يُضعف المؤسسة

هناك من يتعامل مع الإدارة وكأنها ساحة لتبادل الأدوار دون إدراك لطبيعة كل منصب ومسؤولياته، فيتدخل في ما لا يعنيه، أو يتجاهل مسؤولياته الفعلية، ما يؤدي إلى حالة من الفوضى الإدارية. والأسوأ من ذلك، هو اتخاذ قرارات غير مدروسة تؤثر سلبًا على المؤسسة، فقط لأن البعض يرى أن الإدارة مجرد سلطة، لا التزام وانضباط.

دعوة للفهم قبل النقد

النقد حق مكفول للجميع، ولكن ليكون النقد بناءً، يجب أن يكون مبنيًا على معرفة ودراية. فمن غير المنطقي أن ينتقد شخصٌ عملاً إداريًا وهو لم يطلع على اللوائح المنظمة له، أو أن يعترض على آليات عمل دون أن يفهم أسبابها وأهدافها. الفهم الحقيقي للإدارة يتطلب قراءة، متابعة، واستماعًا للذين يملكون الخبرة في هذا المجال.

الخلاصة

الإدارة ليست مجرد قرار، بل هي مسؤولية تتطلب معرفة، التزامًا، وعملاً جماعيًا منظمًا. وكل من يشغل موقعًا إداريًا عليه أن يدرك دوره، ويؤديه وفقًا لما تقتضيه المصلحة العامة، لا وفقًا لرؤيته الشخصية فقط. أما من يسعى إلى جمع المناصب بين يديه، فهو لا يمارس الإدارة بل يفرض هيمنة فردية تُضعف المؤسسة وتقلل من فرص النجاح الجماعي.

فلنحرص جميعًا على التعلم والفهم قبل أن نصدر الأحكام أو نطالب بحقوق إدارية لا ندرك تفاصيلها، ولنتذكر أن الإدارة الفعالة تُبنى على التشارك، لا على الاحتكار.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *