
البراء بشير
كاتب صحفي
• قد يتعجب البعض من نسب الرجل شديد السمرة في اللهجة السودانية للون (الأخضر)، فيقال بالدارجة (أخدراني)، ولا يعلمون أنه وصف له أصلٌ صحيح فصيح في لغة العرب. ولأن ألوان البشر شأنها التداخل حد التعقيد، فقد كان في العرب من هو شديد البياض، ومنهم من هو شديد السمرة، وأكثرهم بين ذلك. فقد نقل عن أبي العباس المبرد النحوي أنه قال:(الغالب على أولاد العرب الأدمة). وأذكر هنا كلاماً لعبدالله بن عمر- الذي كانت تغلب على جلده الأدمة- أنه قال: (انتزعني أخوالي فقد كان أبي أبيض اللون).
كان في البيت الهاشمي شاعر شديد السمرة، ولذلك لقب بالأخضر، وهو الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب الهاشمي القرشي، وهو ابن أبوين هاشميين، وقد أتاه السواد من جدته لأمه التي كانت من الحبشة، وكان ينسب لجده أبي لهب عم النبي (صلى الله عليه وسلم) فيقال (الأخضر اللهبي).
ولد الأخضر اللهبي بمكة المكرمة، ولا يعرف تاريخ محدد لمولده، وقال بعض المؤرخين إن مولده كان في العام الخامس عشر للهجرة، وذكر أن والده أدرك النبيَ (صلى الله عليه وسلم)، ولكن لا يعلم هل صحبه أم لا. كان الأخضر اللهبي مفوهاً مِنطِيقاً إلى جانب إقدامه في القتال. شهد يوم صفين مع علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- وورد أن علياً قال له يومها: (أنت أشعر قريش). اضطربت الأخبار حول صفاته الأخرى وأشعاره، ولم يسجل من شعره إلا قصائد متفرقة، سُجِّل أكثرها من قبل أبي الفرج الأصفهاني في كتابه الأغاني، والرحالة الجغرافي ياقوت الحموي في كتابه معجم البلدان.
حاول الشاعر مهدي النجم جمع أشتات الأخضر اللهبي من قصائد وأخبار منها ما هو طريف، ومنها ما هو رقيق، وجُلُّها اعتزاز وفخر؛ ومن الطرائف التي أوردها، أن رجلاً من بني كنانة يسمى (عقرب) كان عسر القضاء، وقد داين الأخضر اللهبي فمطله، فمر به الأخضر وهو يبيع حنطة (نوع من الحبوب الغذائية)، فأنشد الأخضر قائلاً:
قد تَجِرت عقرب في سوقنا
يا عجباً للعقرب التاجرة
قد صافت العقرب واستيقنت
أن ما لها دنيا ولا آخرة
إن تعد العقرب عدنا لها
وكانت النعل لها حاضرة
ومن أمثلة التَحْنان الواردة في شعره قصيدة يقول فيها:
أعيني ألا تبكيا لمصيبتي
وكل عيون الناس عني أصبرُ
أعيني جودا من دموع غزيرة
فقد حق إشفاقي وما كنت أحذر
بكيت لفقد الأكرمين تتابعوا
وصلّوا المنايا دارعون وحسر
وفي نظري أن أجمل أشعار الأخضر من الناحية البلاغية، أبيات فخر له يذكر فيها نسبه وصلته برسول الله (صلى الله عليه وسلم):
طَرِبَ الشَيخُ وَلا حينَ طَرَب
وَتَصابى وصبا
الشَيخِ عَجَب
وَأَنا الأَخضَرُ مَن يَعرِفُني
أَخضَرُ الجِلدَةِ مِن بَيتِ العَرَب
مَن يُساجِلني يُساجِل ماجِداً
يَملَأُ الدَلوَ إِلى عَقدِ الكَرَب
إِنَّما عَبدُ مُنافٍ جَوهَرٌ
زَيَّنَ الجَوهَرَ عَبدُ المُطَّلِب
كُلُّ قَومٍ صيغَةٌ مِن فِضَّةٍ
وَبَنو عَبدِ مُنافٍ مِن ذَهَب
إنّ قومي ولقومي بسطة
منعوا ضيمي وأرخوا من لَبب
تركوا عقد لساني مطلقاً
بفعال أثلوه ونسب
أنت إن تأتهم تنزل لهم
باغياً للعرف فيهم لا تخب
ورسول اللَّه جدي جده
وعلينا كان تنزيل الكتب
شارك المقال