استشراف مستقبل القبول الجامعي في السودان: جامعة الخرطوم نموذجاً
Admin 22 أغسطس، 2025 37
محجوب الخليفة
كاتب صحفي
• يأتي هذا المقال بعد قراءة متأنية لما كتبه الأستاذ وليد محمد المبارك حول أزمة القبول الجامعي في السودان، وخاصة ما يتعلق بعزوف الطلاب عن بعض كليات جامعة الخرطوم. فقد أثار مقاله أسئلة جوهرية عن مستقبل التعليم العالي، كاشفاً خللاً بنيوياً في آليات التخطيط، وحاجباً الضوء على فجوة متزايدة بين العرض والطلب، وبين ما تقدمه الجامعات وما يحتاجه المجتمع وسوق العمل.
ما كتبه الأستاذ وليد لا يتوقف عند حدود الوصف، بل يمثل إنذاراً مبكراً يستحق أن يوضع تحت مجهر التحليل والتفكيك، حتى نُدرك نحن – كطلاب وأولياء أمور وصناع قرار – أين نقف اليوم، وإلى أين قد نسير إذا استمر الحال على ما هو عليه.
أولاً:- جوهر الأزمة
غياب الشفافية في البيانات: تعطيل تنفيذ قرارات اللجنة العليا للتقديم الإلكتروني، وحجب الأعداد المخططة للقبول، أضعف القدرة على التخطيط الاستباقي.
فائض في العرض مقابل ضعف في الطلب: كليات تقليدية تتكدس مقاعدها الفارغة، بينما تضيق الكليات التطبيقية بالمقبلين.
تحولات اجتماعية وسوقية: الأسر والطلاب لم يعودوا يرون جدوى مهنية واضحة من دراسة تخصصات مثل التربية أو الزراعة أو الآداب بالصيغة القديمة.
هذه الأبعاد مجتمعة جعلت أزمة القبول أكثر من مجرد خلل إداري، بل مؤشر على خلل هيكلي في نظام التعليم العالي كله.
ثانياً:- التوقعات
على المدى القريب (عام إلى عامين)
استمرار انخفاض معدلات القبول في الكليات التقليدية.
إدخال طلاب بمستويات أكاديمية أدنى، مما يضعف جودة المخرجات.
احتمالية دمج دفعات أو تأجيل إعلان النتائج كحلول إسعافية ارتجالية.
ثالثاً:-التوقعات
على المدى المتوسط (3–5 أعوام)
إعادة هيكلة الكليات ضعيفة الإقبال عبر دمجها أو تحويلها إلى أقسام داخل كليات أكبر.
ازدياد النزوح نحو الجامعات الخاصة أو الكليات ذات الصلة المباشرة بسوق العمل (كالطب، الهندسة، التقنية).
اتساع الفجوة بين الطاقة الاستيعابية الجامعية والطلب الفعلي من الطلاب.
رابعاً:- التوقعات على المدى البعيد (5–10 أعوام)
تحول جامعة الخرطوم – ومعها الجامعات القومية – من مؤسسات شاملة إلى مؤسسات متخصصة في مجالات محدودة.
فقدان ركائز الهوية الثقافية والفكرية نتيجة تراجع كليات الآداب والتربية.
اتساع الهوة بين التعليم الجامعي والتنمية الوطنية، بما يقود إلى أزمة فكرية واقتصادية طويلة المدى.
خامساً:- ما يستفيده الطلاب وأولياء الأمور
الوعي المبكر
على الأسر أن تدرك أن التعليم لم يعد ضماناً وظيفياً جاهزاً، بل يحتاج إلى دمج الدراسة بالمهارات الموازية (اللغات، التقنية، ريادة الأعمال).
الاختيار الذكي للتخصصات:-
لا يعني العزوف أن هذه الكليات بلا قيمة، لكن يجب البحث عن البرامج المحدثة التي تربط الدراسة بالمشروعات التنموية.
المبادرة الفردية
غياب السياسات الرشيدة لا يمنع الطلاب من الاستثمار في التدريب العملي والشهادات المهنية.
سادساً:- ما يصلح مستقبل التعليم العالي
1- تفعيل الشفافية :- تمليك بيانات القبول المخططة سنوياً للباحثين والمهتمين.
2- إعادة تصميم البرامج: ربط الزراعة بالأمن الغذائي، والتربية بالتكنولوجيا، والآداب بالصناعات الثقافية والإعلامية.
3- نظام الإنذار المبكر: آلية علمية لرصد الكليات المعرضة للعزوف قبل وقوع الأزمة.
4- المواءمة مع الاقتصاد الوطني: جعل مخرجات الجامعات جزءاً من خطط التنمية والإنتاج، لا مجرد شهادات معلقة.
سابعاً:- ما يحذر منه المستقبل
طمس الدور التاريخي لجامعة الخرطوم وبقية الجامعات القومية إذا استمر التراجع بلا إصلاح.
فقدان التعليم العالي دوره في تشكيل الهوية الوطنية إذا تلاشت الكليات الثقافية والفكرية.
تعميق الفجوة الطبقية مع تحول الجامعات الخاصة إلى الملاذ الرئيسي لأبناء الطبقات المقتدرة.
تراكم قرارات مرتجلة قد تؤدي إلى مزيد من التشوهات.
الأزمة الراهنة في القبول الجامعي ليست عابرة، بل علامة فارقة على خلل هيكلي في منظومة التعليم العالي السوداني. جامعة الخرطوم هنا تمثل النموذج والرمز، لكن التداعيات تشمل كل الجامعات.
إن ما يحتاجه السودان اليوم هو إصلاح قائم على الشفافية، وربط التعليم بالاقتصاد الوطني، وإعادة صياغة البرامج الأكاديمية بما يستجيب لطموحات الأجيال القادمة.
وإلا فإننا سنشهد تحولات قسرية قد تمتد عقوداً، تفقد معها الجامعات السودانية دورها التنويري والوطني.
شارك المقال