اختلال الجهاز المصرفي في السودان وغيابه عن استحقاقات النهضة الاقتصادية التنموية
Admin 1 نوفمبر، 2025 63
د. عبدالرحمن بابكر علي
• من أبرز ملامح مشكلات الجهاز المصرفي في السودان، التعطل في وظيفة السياسة النقدية؛ والتي هي من صميم دور البنك المركزي في ضبط السيولة ومحاربة التضخم واستقرار سعر الصرف.
إلا أن هذا الدور تعطل بفعل السياسة التي انتهجها النظام السابق منذ العام 2020م واستمرت حتى اندلاع الحرب في العام 2023م.
وأهم هذه السياسات التي أدت إلى هروب الأموال وضآلة السيولة
* سياسة لجنة التمكين، التي جمدت حسابات الشركات والمؤسسات الكبرى ورجال الأعمال، وأدت هذه السياسة إلى زيادة امتصاص السيولة من المصارف العاملة دون مردود اقتصادي واضح.
* أما على مستوى السوق ما بين المصارف، فقد أنشأ البنك المركزي ما يعرف
(بصندوق إدارة السيولة بين المصارف)؛
لكن أداء هذا الصندوق لم يرتقِ إلى مستوى الأهداف التي أسس من أجلها.
وفي ظل هذه البيئة وغياب احتياطي نقدي كافٍ، وفقدان الثقة بالجنيه السوداني، فقد البنك المركزي القدرة على التدخل في سوق النقد الأجنبي، وانهار سعر الصرف ليصل إلى أكثر من 3000 جنيه للدولار الأمريكي الواحد، مع هيمنة سيادة السوق الموازي.

مقارنة النظام المصرفي مع محيطه المصرفي الإقليمي في البلدان ذات الظروف المشابهة
أولاً: كفاية رأس المال
1- السودان:
الحد الأدنى لرأس المال للمصرف السوداني 10 ملايين دولار أمريكي.
غير مطابق لعدم الالتزام ببازل 3
2- مصر:
الحد الأدنى لرأس مال المصرف
9.5 مليون دولار أمريكي.
مطابق تماماً
الالتزام ببازل3
3- إثيوبيا:
الحد الأدنى لرأس المال للمصرف الإثيوبي
75 مليون دولار أمريكي
غير مطابق (غير ملتزم ببازل 3)
4- رواندا:
الحد الأدنى لرأس المال للمصرف
15 مليون دولار أمريكي
مطابق (ملتزم ببازل 3).
ثانياً: جملة الموجودات المصرفية من العام 2020م حتى 2023م
1- السودان:
إجمالي أصول القطاع المصرفي
12 مليار دولار أمريكي.
نسبة الأصول إلى الناتج المحلي
20%
2- مصر:
إجمالي أصول القطاع المصرفي
60 مليار دولار أمريكي.
نسبة الأصول إلى الناتج المحلي
70%
3- إثيوبيا:
إجمالي أصول القطاع المصرفي
45 مليون دولار أمريكي.
نسبة الأصول إلى الناتج المحلي
25%
4-رواندا:
إجمالي أصول القطاع المصرفي
4.5 مليار دولار أمريكي.
نسبة الأصول إلى الناتج المحلي
30%
الملاحظة:
تتعرض الموجودات المصرفية في السودان لتآكل كبير بسبب الحرب. حيث فقدت نصف قيمتها، بسبب انهيار قيمة العملة الوطنية، والدمار المادي الذي لحق بفروع ومقرات المصارف.
وتواجه المصارف السودانية صعوبات في الالتزام بالمتطلبات والمعايير المصرفية.
تستحوذ خمسة مصارف على أكثر من 55% من الموجودات المصرفية في السودان.
* توقف أكثر من 70% من الفروع العاملة للمصارف بسبب الحرب.
الموجودات المصرفية المصرية:
قفزت الموجودات المصرفية في مصر في نهاية العام 2024م إلى344.7 مليار دولار أمريكي،
تمثل نسبة 92.3٪
تستحوذ ستة مصارف على أكثر من 70% من الموجودات المصرية، وعلى رأسها:
البنك الأهلي المصري
وبنك مصر
والبنك التجاري والبنك العربي الأفريقي الدولي وبنك قطر
وبنك القاهرة.
ثالثاً: الشمول المالي
وفقاً لبيانات البنك الدولي منذ العام 2020 م حتى 2023م
1- السودان
نسبة الذين يملكون حسابات مصرفية نشطة
7%
(ارتفعت النسبة بعد الحرب).
2- مصر
نسبة الذين يملكون حسابات مصرفية
64%
3- إثيوبيا
نسبة الذين يملكون حسابات مصرفية:
45%
4-رواندا
نسبة الذين يملكون حسابات مصرفية
68%
الملاحظة:
الذين يملكون حسابات مصرفية في السودان نسبة قليلة جداً، رغم أنها ارتفعت خلال الحرب.
إلا أن هناك بوناً شاسعاً بين النظام المصرفي وشرائح السكان المتعددة، وغياب الخدمات المصرفية المتاحة لغالبية السكان، خاصة النساء والشباب والمناطق الريفية البعيدة عن المدن.
نقص كفاية رأس المال:
يعدُّ ضعف كفاية رأس المال في المصارف السودانية أحد أبرز مظاهر الهشاشة المالية التي تعوق استقرار الجهاز المصرفي، وتحدّ من قدرته على امتصاص الأزمات والصدمات الكبرى مثل الحرب الدائرة اليوم، والانكماش الاقتصادي.
معظم المصارف السودانية لا تستوفي الحد الأدنى من متطلبات بازل.
البعد الكبير عن الالتزام بمعايير بازل3 التي تعدّ الإطار الدولي الأكثر تقدماً في ضبط كفاية رأس المال وإدارة المخاطر.
رغم أن هذه الاتفاقيات تلزم المصارف بالحفاظ على نسب معينة من رأس المال؛ أي مخصصات لتغطية الخسائر المتوقعة.
معظم المصارف السودانية رأس مالها اسمي ضعيف، وغير مدفوع بالكامل. وتستخدم أدوات وهمية أو صورية لتعزيز موقفها المالي، مع عدم وجود رأس مال حقيقي لدى معظم المصارف. وهذا الضعف في رأس المال أضعف قدرة المصارف في مواجهة الصدمات المفاجئة، خاصة مع غياب أي تحوطات مالية أو فنية كافية لمواجهة المخاطر، والحرب الدائرة أعظم مثال.
الضعف الهيكلي جعل كثيراً من المصارف السودانية غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، وأفقدها الثقة بصورة متزايدة؛ وهو ما جعل كثيراً من المصارف تفشل في تحصيل التزامات عملاء التمويل الذين فقدوا أنشطتهم التجارية والاقتصادية بسبب اندلاع الحرب.
وهذا ما يؤثر تأثيراً سالباً بعدم قدرة المصارف على تمويل القطاعات ذات الأولوية والأهمية، مثل:
القطاع الزراعي (حيواني وزراعي)
القطاع الصناعي
القطاع الخدمي الصحي
قطاع الصادر.
رغم أن هذه القطاعات تمثل الركيزة الأساسية للاقتصاد السوداني، وفي الاهتمام بها وتمويلها يكون المخرج من الوهدة التي يمر بها الاقتصاد، والتعافي الاقتصادي من الاختلال والمشكلات الملازمة للاقتصاد عبر الحقب التاريخية.
الشمول المالي:
الشمول المالي هو إتاحة وصول جميع فئات المجتمع إلى الخدمات المالية والمصرفية (الحسابات والخدمات المصرفية- التمويل – التأمين)
بجودة وتكلفة مناسبة، مما يمكنهم من إدارة نشاطهم المالي والمصرفي بشكل سليم.
والهدف من الشمول المالي هو تمكين الأفراد والفئات البسيطة والشركات ورجال الأعمال من الوصول إلى منتجات وخدمات مالية ومصرفية مفيدة تلبي احتياجاتهم.
وتمثل مشكلة الشمول المالي أحد أخطر أوجه ضعف الجهاز المصرفي السوداني، إذ تمثل الكتلة النقدية خارج الجهاز المصرفي أكثر من 80%.
حيث إن المواطنين الذين يمتلكون حسابات مصرفية نشطة أقل من 20%، كما تتركز معظم المصارف وفروعها في ولاية الخرطوم وبعض المدن، فيما تعاني الولايات الطرفية والمناطق الريفية البعيدة شبه غياب كامل، وهذا الواقع يقصي ملايين المواطنين من الخدمات المالية الأساسية، ويعزز الاعتماد على الاقتصاد النقدي غير الرسمي؛ مما يضعف الرقابة، ويزيد من معدلات هروب الكتلة النقدية خارج القنوات الرسمية.
لكن من الملاحظ أن بعض المصارف بعد اندلاع الحرب فتحت عدداً من الفروع في الولايات الآمنة، وهو ما كان له أثر إيجابي في نشر الثقافة المصرفية.
كما أن معظم المصارف السودانية لا تملك منتجات مصرفية ملائمة للشرائح الضعيفة والصغيرة، وفشلت المصارف في ابتكار أدوات مرنة تراعي طبيعة الاقتصاد والإنسان السوداني، القائم على الحراك الموسمي، والزراعة التقليدية، والمهن الحرة. لذلك أصبح القطاع المصرفي غائباً عن استحقاقات النهضة الاقتصادية التنموية.

مشكلات الجهاز المصرفي السوداني – الحلول والمقترحات
تتضمن مشكلات الجهاز المصرفي في السودان مجموعة من الإجراءات الفورية:
* استعادة الخدمات الأساسية، وذلك باستعادة عمل الفروع والأنظمة الإلكترونية المتضررة بسبب الحرب.
* اتخاذ إجراءات فورية من قبل الدولة لمعالجة انخفاض قيمة العملة الوطنية واستقرار سعر الصرف.
* أن يطلق بنك السودان نظام المقاصة الإلكترونية، وعمل الصرافات الآلية.
* تفعيل وتنشيط نظام التسويات الآنية الإجمالية (سراج) بأسرع ما تيسر. وبعمولة رمزية.
* تسريع التحول الرقمي والشمول المالي، وتوسيع نطاق الخدمات المصرفية الإلكترونية بحوافز مادية وعينية، لجزب مدخرات المستخدمين.
* تسهيل إجراءات فتح الحساب؛ خاصة في المناطق الريفية والفرقان البعيدة من المدن.
* إصلاح السياسات النقدية لتعزيز استقرار العملة، وزيادة الثقة بالمصارف.
* تحسين أنظمة الدفع الإلكترونية، مثل التطبيقات البنكية؛ وذلك بسرعة الإجراء وتبسيط إجراءات استخدام التطبيق. لتقديم بدائل آمنة وفعالة للتعاملات النقدية التقليدية.
* رفع رؤوس أموال المصارف لتتوافق مع المعايير الدولية، وإعادة رسملة المصارف المتضررة. ودمج المصارف الضعيفة لإنشاء مؤسسات مالية قوية.
* توجيه التمويل إلى القطاعات الحيوية.
الزراعي.. الصناعي.. الخدمي.. الصحي.. الصادر.
* هيكلة بنك السودان المركزي، بتعزيز استقلاليته وضمان الحيادية. ومواكبة التطور المتسارع، بما يتماشى مع الواقع السوداني بعد الحرب. وتوجيه السياسات نحو البناء و التنمية.
* يقوم بنك السودان المركزي بمعالجة الدولار الحسابي وتوفير النقد الأجنبي للمصارف لاستيراد السلع الضرورية والمدخلات الزراعية والصناعية والصحية، ومنع السوق الموازي.
* يلتزم البنك المركزي بتطبيق مبادئ الشفافية والحيادية والحوكمة الجيدة، لضمان بيئة مصرفية مستقرة.
شارك المقال
