إصلاح المناهج التربوية في السودان… الخطوة الأولى نحو إنسانٍ حرٍّ وسويّ

249
حسن عبدالرضي

حسن عبدالرضي الشيخ

كاتب صحفي

• لقد بلغ التعليم في السودان مرحلةً تستوجب التوقف والتأمل بجدية، لا في الوسائل والأساليب فحسب، بل في الفلسفة التي تحكمه، والغايات التي يتجه نحوها. فالمناهج الدراسية ليست مجرد كتبٍ تحفظ، ولا مقرراتٍ تمتحن، بل هي العقل الجمعي للأمة، تصوغ وعي أجيالها، وتحدّد مسار مستقبلها.

على مدى عقود، ظل التعليم في السودان أسيرَ التلقين، رهينَ الحفظ والتكرار، غائبًا عن مهارات التفكير الحرّ، منغلقًا على نفسه في زمنٍ انفتحت فيه المعرفة على العالم كله. وقد أنتج هذا النظام التعليمي جيلاً يعاني التناقض بين ما يُلقَّن له في المدرسة وما يعيشه في الواقع، جيلًا مشوَّش الهوية، منقسم الانتماء، عاجزًا عن صناعة السلام أو حتى فهم معناه.

إن إصلاح المناهج في السودان لم يعد ترفًا فكريًا، بل ضرورة وطنية ملحّة. لا يمكن أن نبني دولةً ديمقراطية، ولا أن نؤسس لسلامٍ دائم، بعقلٍ وُجه منذ الطفولة نحو الخضوع لا التفكير، نحو الخوف لا السؤال. نحن بحاجة إلى مناهج تُعلّم الطفل كيف يفكر لا بماذا يفكر، تُنمّي فيه روح النقد والإبداع لا ثقافة النقل والتقليد.

مطلوبٌ أن تتحول المدرسة إلى بيئة إنسانية تُغذّي القلب والعقل معًا، إلى فضاءٍ يتعلم فيه التلميذ معنى التعاون والحرية والمسؤولية. مناهج تُقدّم التربية على التعليم، والمواطنة على الشعارات، والرحمة على العنف. مناهج تُربّي طفلًا يرى في الآخر شريكًا في الإنسانية لا خصمًا في العقيدة أو العِرق.

إن أمةً لا تُراجع مناهجها، لا تُراجع مصيرها. والمناهج التي لا تُخرج إنسانًا حرًّا محبًّا للسلام، ستُخرِج تلقائيًا إنسانًا خائفًا، مقلّدًا، مشوّهًا بالولاءات الضيقة. إصلاح التعليم هو بداية الإصلاح الوطني الحقيقي، وهو المعركة الهادئة التي يجب أن نخوضها جميعًا من أجل وطنٍ يعلّم أبناءه كيف يعيشون في سلامٍ مع أنفسهم، ثم مع العالم من حولهم.

فالتعليم ليس مشروعًا حكوميًا مؤقتًا، بل مشروع حياة، يبدأ من الطفل السوداني الذي نحلم أن نراه غدًا: إنسانًا سويًا، مفكرًا حرًّا، يحبّ السلام ويسعى إلى إسعاد الآخرين.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *