إشكالية حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية في إطار الاتحاد الأفريقي

51
محمد معتصم

محمد معتصم عبدالعظيم

مستشار قانوني وباحث في مجال حقوق الإنسان

• ظلت القارة الإفريقية لقرون طويلة الحلقة الأضعف والأكثر معاناة في النظام الدولي حيث خضعت لسيطرة القوى الاستعمارية الأوروبية التى نهبت ثرواتها وقسمتها إلى مناطق نفوذ عبر حدود مصطنعة قطعت أوصال المجتمعات الافريقية وأوجد أسباباً للفرقة فيما بينها ورغم نجاح حركات التحرير الوطني في الحصول على الاستقلال فإن الدول الأفريقية الوليدة ظلت تعاني من التبعية وأصبحت مهددة بنمط جديد من الاستعمار.

وأملاً في تغير الواقع الافريقي المرير انطلقت مسيرة التكامل الإقليمي الافريقي منذ زمن طويل وازدادت وتيرتها بشكل ملحوظ في أعقاب التحرير الوطني حيث تظافرت جهود عديدة منذ زمن طويل تمخض عنها إنشاء منظمة الوحدة الافريقية في عام 1963م وسط آمال عريضة رسمية وشعبية بتحقيق الوحدة الكاملة بين الدول الأعضاء ، وأكدت المادة الثانية من الميثاق الافريقي أن المنظمة تسعى إلى تحقيق مجموعة من الأهداف في مقدمتها تعزيز الوحدة الكاملة بين الدول الأعضاء وكذلك تعزيز الوحدة الافريقية والتضامن بين الدول الافريقية ، ولتحقيق تلك الأهداف يجب على الدول الافريقية ان تنسق سياستها العامة خاصة في مجالات التعاون الاقتصادي والثقافي والعلمي والصحي والأمني.

إن مسيرة الوحدة الافريقية كانت شاقة وطويلة ومضنيه فهي تعود بجذورها إلى الوحدة الافريقية التي طرحت قديماً في مؤتمر الجامعة الافريقية في لندن منذ عام 1900م من أجل تحسين أوضاع الأفارقة السود لا سيما أنه جاء مفعماً بمشاعر الأفارقة ضد التفرقة العنصرية والرغبة في لم شمل القارة الافريقية، كما أنه يجب الاعتراف بأن منظمة الوحدة الافريقية أدت الغرض منها واستكمالاً نحو الرغبة في تحقيق أهداف الوحدة والتكامل بين شعوب القارة الافريقية كان من الواجب فتح الطريق أمام تنظيم هيكلي جديد يتميز بالشمولية والمرونة ويشمل على آليات جديدة تتناسب مع تحديات الواقع الجديدة.

لقد مرت منظمة الوحدة الافريقية بالعديد من التعثرات التي نقصت من مجهودها للقيام بمهامها على أكمل وجه وهذا ما جعلها مشلولة أمام المهام الموكل لها، وهذا ما ندد بضرورة إنشاء جهاز فعال لأداء هذه المهام على أكمل وجه يمكن معه القضاء على جميع اشكال التنديد والاضطهاد، ومن الدوافع التي نددت بالتغير والتحول من منظمة الوحدة الافريقية الى الاتحاد الافريقي هي تفاقم ظاهرة الحروب الأهلية في القارة الافريقية وما يرافقها من نتائج سلبية وكذلك المشاكل الاقتصادية المتفاقمة وهو ما يمثل البعد الاقتصادي واخيراً المشاكل المتعلقة بأنظمة الحكم ويعود السبب وراء أنظمة الحكم نفسها.

من المعلوم ان منظمة الوحدة الافريقية مرت بمراحل عديدة حتى تتحول الى الاتحاد الافريقي حيث لم ينشأ الاتحاد الافريقي عبثاً او مباشرة فقد صاحب وضعه المرور بالعديد من العراقيل والإشكاليات التي أبطئت ظهوره على أمر الواقع للقضاء على العراقيل التي تعتريها منظمة الوحدة الافريقية ومن أهم هذه المراحل هي قمة الجزائر في يوليو 1999م وقمة سرت الاستثنائية في سبتمبر 1999م وقمة لومي في يوليو 2000م وقمة لوسكا في يوليو 2001م ، حيث أن قمة لومي عام 2000م كانت قد استكملت مسيرة الاتحاد الافريقي بالموافقة على قانونه التأسيسي وذلك بإجماع الدول المشاركة ودخل حيز التنفيذ طبقاً لنص المادة (28) من قانونه التأسيسي في مايو 2001م أي بعد شهر من قيام ثلثي الدول الأعضاء في منظمة الوحدة الافريقية بالمصادقة عليه.

كان من المتوقع مع إنشاء منظمة الوحدة الافريقية سابقاً والاتحاد الافريقي حالياً انتقال حقوق الإنسان من النطاق الدستوري الداخلي الى نطاق دولي، غير أنه عكس ما كان متوقعاً اكتفى ميثاق منظمة الوحدة الافريقية بالإشارة السطحية إلى حقوق الإنسان، حيث لا يمكن تقيم ميثاق منظمة الوحدة الافريقية بعزله عن المحيط الذي جاء فيه ويعتبر محتوى هذا الميثاق ترجمة لانشغالات الدول الافريقية المتمثلة في الحفاظ على استقلالها ومساعدة الشعوب في الدول الاخرى على التحرر من الاستعمار وإزالة كل أشكال الاستعمار في افريقيا وتقرير المصير وهو الشرط الأساسي لها.

وبعد العديد من الجهود تم وضع الميثاق الافريقي لحقوق الإنسان والشعوب في 1981م وعرض للتوقيع عليه من طرف دول المنظمة الافريقية وبموجبه تشكلت الاليات للرقابة والاشراف على تطبيق الميثاق ومن ضمن هذه الآلية هي اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب باعتبارها الآلية الوحيدة لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية ولاحقاً تبنت دول الاتحاد الافريقي البروتوكول الملحق بالميثاق في عام 2002م والخاصة بإنشاء المحكمة الافريقية لحقوق الإنسان والتي مثلت الآلية الثانية للإشراف والرقابة على الاتفاقية والتي كانت من اختصاصاتها تعزيز وحماية حقوق وحريات وواجبات الإنسان والشعوب وتفسير وتطبيق البروتوكول وأي اتفاقية أفريقية آخرى تتعلق بحقوق الإنسان وكذلك دورها القضائي بنظر الشكاوى الدولية.

وهنا لأبد لنا أن نوضح بأن الاتحاد الافريقي كمنظمة دولية إقليمية تواجه العديد من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والامنية وخليط من تلك المشكلات ومن أهم التحديات التي تواجه الاتحاد الافريقي بأبعادها المختلفة هي الصعوبات الهيكلية والمؤسسية  والصعوبات الامنية والصعوبات السياسية الدولية والأقليمية والصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

ختاماً أجد أن فكرة التحول من منظمة الوحدة الافريقية الى الاتحاد الافريقي تأثرت ايجابياً وليس سلبياً حيث اجتهد الباحثون والعلماء في فروع العلوم المختلفة في كل أنحاء القارة الافريقية في تحديد ملامح العالم الجديد ودراسة آثاره المتنوعة على الدول والجهات ذات الصلة.

ورغم الجهود التي بذلها الإتحاد الافريقي الا أنه كان نتيجة حتمية لم تضمن للأفارقة  العيش الكريم في ظل عالم كثير بالتغيرات والتقلبات واهدار الحقوق والحريات الأساسية، وعليه فإن تكريس آليات الحماية منها القضائية وشبه القضائية في حماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية والاكتفاء باللجنة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب كجهاز منفرد وما نتج عنه من نقائص استدعى ضرورة تفعيل آليات المحكمة الافريقية لحقوق الإنسان والشعوب يعتبر مبشر خير في تحقيق آمال الشعوب الافريقية في حماية حقوقهم وحرياتهم الأساسية لكن الواقع يبرهن العكس فإن تحقيق حمايتها واحترامها يبقى في شكل مُثل عليا بعيدة المنال خاصة وأن انتهاكاتها تزداد يوماً بعد يومً، وفي نهاية الأمر يحاول الباحثون والعلماء إيجاد حل للمشاكل التى تعاني منها الشعوب الافريقية وكيف يمكن تكريس آليات الحماية في ضمان حقوهم المهدورة.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *