أُحِبُّهُ… لَكِنَّهُ لا يَعلَم

23
نظرة يسار سارة عبدالمنعم

سارة عبدالمنعم

كاتبة روائية

• نظرتُ إلى وجهِها؛ كانت ملامِحُها تائهةً بين الشكِّ واليقين، المضيِّ أو التوقّفِ. لم أَلْمَحْ في ملامِحِها محاولةً للنسيان.

سألتُها عن قلبِها، ما أمرُهُ؟ وما الجديدُ عليه؟ وهذا المحبوبُ تَعرِفينَه منذ زمنٍ بعيدٍ، فما الذي جَرَى؟ زدتُ قولي بأنَّه يُسعِدُني ويُعجِبُني لها، لكنْ كيف ستُخبِرينَه؟

رَدَّتْ بالدَّهشةِ والخوفِ، وضَحِكتُ من فِعلَتِها. أُقسِمُ أنَّ لسانَها – بقولِ جدّتي – (مترين)، لكنَّها عنده تَنسَى ماذا تقول.

المهمُّ أنَّها قرَّرتِ البَوْحَ له بعد أن قالتْ لي إنَّ الأمرَ بسيطٌ جدًّا؛ سَتُرسِلُ إليه رسالةً تُفاجئُه فيها بأنَّها مُعجَبةٌ به.

وقبل أن أَهْمِسَ بشيءٍ، نظرتْ نَحوي وتراجَع عُنفوانُها كقِطَّةٍ صغيرةٍ أخافَتْها أقدامُ المارَّة؛ تَكوَّرَتْ على نفسِها في الكرسيِّ، وهَمْهَمَتْ بأنَّ المشاعرَ لا تَستحِقُّ التكتُّمَ عليها، وأنَّه عليه أن يعرِفَ أنَّها اختارَتْه، وهو حُرٌّ في الاختيارِ.

زادتْ نظراتُها شُرودًا حين قُلتُ: الرَّجلُ الخجولُ يَشكو دائمًا أنَّه يَصعُبُ عليه ردُّ قلبِ إحداهُنَّ، وأظنُّ المجاملةَ منه ستكونُ قاسيةً عليه. فقَفَزَتْ عن جلستِها، وخَلَعَتْ عنّي الطمأنينةَ، وابتسمَتْ من وجهي المفزوعِ، ومن قُربٍ وَسوَسَتْ لي أن أُخبِرَه عنها أنَّها تُحِبُّه. ومن نظرتي المُتَّسِعةِ، نالَ كفّي خَبْطَةٌ عليها، فتأوَّهتْ وما زالَتْ تَهْرِجُ : كيف أنَّها لا تملِكُ صديقةً تستعينُ بها في أمرِ حبٍّ، وأنَّني ضدُّ الإنسانيَّةِ، وأنَّني فتاةٌ لا تَعرِفُ حتَّى التفكيرَ في الحلِّ.

اكتملَ ذُهولي حين سألتْني – بعد أن فَرْقَعَتْ أصابعَها في وجهي – بماذا سأقولُ له؟

قضينا قرابةَ ساعتينِ وأنا أُحاوِلُ إقناعَها أنَّ الأمرَ لن يُفيدَ تدخُّلي فيه ولا تدخُّلَ أحدٍ؛ عليها أن تُخبِرَه بذلك بنفسِها.

مُتُّ من الضَّحك حين رفعتْ سَمَّاعة الهاتف، وغضبُها يَرْمُقُني بنظرةٍ شَذْرَةٍ، فقُلتُ لها : «اصنَعي حديثًا أوَّلًا، لا تَجعليه مثلي يَنتفِض، أراه أجملَ من أن يَستحِقَّ جُنونَك.

ترَكَتِ الهاتفَ، وواصلَتْ مُناكفَتَنا، وعادَتْ للهاتفِ فوجدَتْ منه رسالةً وأُغنيَةً. فقَفَزَتْ وهَلَّلَتْ، وسألتُها متى موعدُ الزواجِ، فأخذَتْ حقيبتَها ولَطَمَتْ بها رأسي. كانت نظراتُها في الشاشةِ تبتسمُ معها، فضَحِكتُ ساخرَةً عمدًا، فنظرتْ نحوي وهَمْهَمَتْ بأنَّ شرطَها في الزفافِ أن يكون اسمي أوَّل وآخر قائمةِ الممنوعِ اصطحابُهم. وحمدًا لله أنَّني لم أتدخَّلْ في أمرِ هذا الحبِّ كي لا تتوثَّق صِلتي بهما.

ساوَمتُها بأن أُخبِرَه عنها، فكتبَتْ له مُسرِعةً : «أنا أُحِبك وبريدك، وإن لم تَكُنْ مشغول القلب فباللهِ عليكَ اشغَلْهُ بي، واخطبْ لابنتِك، وأنا راعيت روحي عمري كلُّهُ، وروحي بِتِّي».

انتظرْنا طويلًا، وفجأةً تذكَّرَتِ الغبيَّةُ أنَّ هذا الرَّقمَ لم يَعُدْ للرَّسائلِ.

لم أضحكْ، ضَحِكتْ هي، وقالتْ : «لا شيء أصعب من الاعترافِ بأمر القلب، ولا شيء أقسى من أن نكون صديقتينِ تحتفي بنا المجالس، ولا نستطيع البَوْح لرجلٍ بالحب».

قُلتُ لها : «تبًّا لكِ»، فضَحِكَتْ وسألتني: هل أَشعُرُ بقليلٍ من تحريضِها سيُؤتي أُكُلَه؟

لم يُؤتِ أُكُلَه، بل عادَ بي لعَهدِي القديم حين كان ذلك الشعورُ فتيًّا، وما زِلتُ أَسألُ : «هل تركَ لنا اللصوصُ قلوبًا؟».

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *