أهمية التعليم العالي في تحقيق النهضة بدولة السودان 

84
فكري كباشي الأمين

أ. د. فكري كباشي الأمين

خبير اقتصادي

 • يُمثِّل التعليم العالي في أي بلد حجر الزاوية الأساسية للعملية التنموية، وأحد المؤشرات الرئيسية لتقدم الشعوب وبناء الإنسان، وقد تزايدت الحاجة للتعليم العالي، وزاد الاهتمام بتطويره، لما له من أهمية في تحقيق متطلبات التنمية وخدمة أهدافها، حيث أصبحت مؤسسات التعليم العالي ومراكز الدراسات المتخصصة والبحث العلمي موطنًا لصناعة القرار الثقافي والعلمي، ومصدرًا لرسم التوجهات الاستراتيجية، وحاضنة لإنتاج العقول المؤهلة للنهوض بالبناء الحضاري والاقتصاد الوطني للبلاد. وتلعب الجامعات دورًا مهمًا في قيادة التعليم والتعلم والبحث والتقنية. تقدم الجامعات المسارات التعليمية والتدريب المهني للوظائف الرفيعة المستوى، فضلًا عن التعليم اللازم لتنمية الشخصية. ودور الجامعات مهم جدًا لجميع القطاعات من الناحيتين الاجتماعية والقانونية في هذا العصر، فخريجو جميع التخصصات بحاجة إلى معرفة المزيد حول الاستدامة أيضًا. يمكن للجامعات أن تساعد في تزويدهم بالمعارف والمهارات الجديدة اللازمة لمواجهة تحديات التنمية المستدامة في المجتمع، وفي زيادة الوعي العام، وتوفير الإجراءات المسبقة لاتخاذ القرارات المستنيرة والسلوك المسؤول واختيارات المستهلك.

واعترافًا بأهمية التعليم العالي، وإقرارًا لدوره المهم في دول العالم، أعلنت الأمم المتحدة في عام 2002، أن الفترة 2005-2014 هي عقد التعليم من أجل التنمية المستدامة. وكان هدف التحرك هو دمج مبادئ وممارسات التنمية المستدامة في جميع جوانب التعليم والتعلم،  واليوم تواصل مؤسسات التعليم العالي، وعلى رأسها الجامعات، لعب دور مهم في تعزيز التنمية المستدامة، كما أن للجامعات عدة أدوار داخل المجتمع، يمكنها أن تساهم من خلالها في إحداث التنمية المستدامة. ويتم إجراء البحوث الرائدة المهمة في كثير من الأحيان داخل مؤسسات التعليم العالي، مما يساعد على توليد الابتكار والمعرفة. وبالمثل، فإن الجامعات مسؤولة عن تثقيف صناع القرار الذين يشكلون المستقبل. هذا وتلعب الجامعات الدور الرئيس في تزويد المجتمع بالمواطن المسؤول، من خلال تقديم التدريس ذي المعايير العالية، والبحث، والتعلم. وقد ذكرت اليونسكو UNESCO أن الجامعات لديها ثلاثة أهداف مهمة، وهي (التدريس والبحث وخدمة المجتمع)، ولذلك 

تعتبر الجامعات بمثابة مؤسسات رئيسية في عمليات التغيير الاجتماعي والتنمية. 

إن الدور الأكثر أهمية الذي تم تكليفهم به هو إنتاج القوى العاملة الماهرة، وتعميم مخرجات الأبحاث لتحقيق الأهداف المأمولة. ويتمثل الدور الآخر الذي قد تلعبه الجامعات في بناء مؤسسات جديدة للمجتمع المدني، وفي تطوير قيم ثقافية جديدة، وتدريب الناس وإقامة علاقات اجتماعية معهم، تأخذ بعين الاعتبار دعم الرفاه الاجتماعي. ويتطلب التحسين السريع في رفاهية السكان، تبسيط جميع الموارد المتاحة للأمة. وتعد الجامعات من بين أهم هذه الموارد، حيث إن التنمية الوطنية ما هي إلا نتيجة عمليتين متزامنتين (النمو والتغيير)، ويمكن أن يتأثر كلاهما بشكل حاسم بالعلوم والتقنية بجميع أشكالها. وذلك يتطلب جامعة تأخذ الدور الريادي في جهود التنمية، ووضع احتياجات عملية التطوير في صلب أنشطتها التعليمية.

وعندما يتحدث الناس عن التعليم الجيد، فإنهم يشيرون غالبًا إلى نوع التعليم الذي يمنح الطلاب المعرفة والمهارات التي يحتاجون إليها في سوق العمل. ولكنْ هناك رأي مفاده أن التعليم الجيد له فوائد أوسع، فهو يطور الأفراد بطرق تساعد على تطوير المجتمع على نطاق أوسع. ويحتاج التعليم الجامعي إلى القيام بأكثر من إنتاج خريج يمكنه الحصول على وظيفة. يجب أن يوفر التعليم العالي أيضًا للطلاب فرصًا وخيارات وصوتًا عندما يتعلق الأمر بسلامة العمل والرضا الوظيفي والأمن والتطور والكرامة. يجب أن يعدهم للمشاركة في الاقتصاد والمجتمع الأوسع.

وخير مثال يمكن الاستدلال به في أهمية التعليم العالي في نهضة الأمم وذلك من خلال استعراض تجربة تلك الدول التي أطلق عليها دول «النمور الآسيوية» وهي دول شرق آسيا (تايوان، سنغافورة، هونغ كونغ وكوريا الجنوبية)، التي استطاعت أن تحقق معدلات نمو اقتصادية كبيرة وسريعة خلال الفترة ما بين الستينيات والتسعينيات، نتيجة التطور في مجال التربية وفي مجال التعليم العالي. ولذلك يعتبر التدريس مهنة محترمة جداً فالمعلم له كل الحق في الانخراط في الدورات التدريبية التي يحتاجها لتنمية قدراته، وزيادة معدل عطائه، وهذا عبء إضافي يلقى على عاتقه، ويمكن أيضًا الاستدلال بتجربة دولة سنغافورة، التي كانت من الدول المتخلفة في نظامها التعليمي إبان الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف السبعينيات، إلا أن قيادة البلد قررت أن تقوم بإصلاح العملية التعليمية من خلال برنامج متكامل، يشمل كافة النواحي التعليمية من مناهج- تطوير لكفاءات المعلمين- إعادة تأهيل الأبنية- توعية الأهل، وتسمى هذه الاستراتيجية بالدفع الجمعي. وكل هذه الشواهد تؤكد أن الأستاذ الجامعي يمثل رأس الرمح  في العملية التعليمية، ولذلك أعتقد أن اتجاه الدولة للإيفاء  بمطالب الأساتذة في السودان، والتي تمثلت في  تنفيذ جزء من مقترح الهيكل الراتبي لأعضاء هيئة التدريس، الذي أجيز خلال فترة سابقة، يمثل خطوة إيجابية، وأتمنى أن تمتد المساعي في معالجة رواتب الكوادر المساعدة والفنيين، الذين يمثلون أحد أهم الأركان، وكذلك أتمنى المضي قدمًا في تعديل قانون المعاش للأستاذ الجامعي لحين العجز التام، وكذلك المعالجة الجذرية لأوضاع الأساتذة المبتعثين، ثم تخصيص ميزانية معتبرة من أجل الارتقاء بالبحث العلمي في الجامعات، ويمكن إشراك أعضاء هيئة التدريس في المساهمة في  كيفية تنفيذه، من خلال إعداد الدراسات العلمية الرصينة، وجلسات العصف الذهني، وورش العمل، خاصة في ظل ظروف البلد الحالية، من خلال استنباط مصادر لتمويل هذه الزيادة في الهيكل، حتى لا تؤدي إلى التأثير في زيادة معدلات التضخم النقدي. وأخيرًا ينبغي ويجب على إدارات الجامعات وأعضاء هيئات التدريس العكوف والاجتهاد في إعداد البرامج الكفيلة بمعالجة الأعداد المتراكمة من الطلاب لأكثر من ثلاث دفع في المستوى الواحد، على ألا تؤثر تلك المعالجات المقترحة في الانتقاص من معدلات جودة المخرجات التعليمية.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *