بقلم: زين العابدين الحجاز
• ولد موسى قسم السيد عبدالكريم كزام الشهير بـ (جحا ) فى أم درمان عام 1931م من أسرة (كزام) الجبلابية الأمدرمانية المشهورة فى ودنوباوى و حى السيد المكى.
لم يلتحق بأى دراسة منتظمة حيث علّم نفسه بنفسه أشياء كثيرة من بينها القراءة والكتابة . تدرب وعمل على الرسم والتصوير الفوتوغرافى والاعتناء بشتلات الزينة والزهور والألعاب السحرية. جاءت شهرته من تخصصه فى رسم وجوه الشخصيات وهو العمل الرئيسي الذى كان يرتزق منه وهو صاحب الرسم المشهور الذى يمثل الإمام المهدى مقتبساً إياه من ملامح أولاده وأحفاده كذلك اشتهر برسم وجوه الفتيات على صناديق الحلوى ورسم الإعلانات الفنية والتجارية. أقنعه صديقه وهو فنان تشكيلى هندى يدعى (مهندرا) بالسفر معه إلى الهند للتمتع بجمال تلك البلاد الساحرة واكتساب بعض الخبرات فى الفن التشكيلى وإقامة معرض مشترك يضم أعمالهما معا. قادته موهبته وشهرته التى تجاوزت الحدود إلى مصر الشقيقة حيث تم التعاقد معه للعمل بأستديو مصر لرسم (إكليشيهات) الأفلام والتى هى عبارة عن رسم لأبطال (الفيلم) يلصق على جدران ومداخل دور السينما والشوارع الرئيسية كدعاية للفيلم فقام (جحا) حينها برسم إكليشيهات معظم الأفلام المصرية القديمة التى أنتجها (أستديو مصر) فى تلكم الحقبة والتى تحتوى على (وجوه) أبطال السينما المصرية .. ليلى مراد، فريد الأطرش، أسمهان، فريد شوقى وغيرهم من النجوم، وقد جنى من ذلك أموالاً غير قليلة بمقاييس ذلك الزمان إلا أن طيبته وكرمه الفياض ويده الممدودة دائما للإخوان والأصدقاء فى السراء والضراء وحبه للرحلات وقناعته بأن « آخرها كوم تراب « جعله كل ذلك غير مبالٍ بجمع المال أو اكتنازه حيث قام بزيارة بلاد عديدة مثل بريطانيا وإثيوبيا ويوغندا ومعظم البلاد العربية.
عاد (جحا) من مصر ليرسم « الشخصيات « من جديد .. نجوم الفن والسياسة والرياضة ورجال المال والأعمال وحتى الأشخاص العاديين الذين كانت إحدى أمنياتهم أن تزيّن صالوناتهم صورة لهم من رسم (جحا) . أذكر أن بعض المطاعم في سوق أم درمان كانت تحمل من رسمه صورة فتاة جميلة « مشلّخة مطارق « كما كان يرسم صورة البطيخ ببراعة فائقة . لوحاته الشهيرة للأمام المهدي والسيد علي الميرغني والرئيس اسماعيل الأزهري و ريحة بت السودان وريحة السيد علي وحلويات سعد وكريكاب ما زالت فى ذاكرتي . كان (جحا) يقضى معظم أوقاته فى حجرة من حجرات منزله التى اتخذها كمرسم له وعندما يحس بحاجة للترويح عن نفسه كان يضع كرسيه الخشبي أمام منزله يتفرج على المارة و يرد على تحيتهم بأحسن منها ثم يعود لمرسمه من جديد. فى أواخر الخمسينات كان (جحا) تقريبا يوميا يمر بدراجته الرالي أمام منزلنا بحي القلعة قادما من ودنوباوي ومتجا الى مكان ما فى سوق أم درمان . كان ذلك الزي البسيط والمختلف عن المألوف الذي كان يرتديه ورأسه الذى يتحاشى الالتفات وهدوءه وصمته المهيب أضافوا لشخصيته غموضا من نوع ما حتى كدت أن أتخيل أنه كان مسكونا بالشيطان و مادريت وقتها أنه كان مسكونا بالعبقرية !! . الزّي الذي كان يرتديه يشبه زي الباكستانيين و هو عبارة عن عرّاقي من القماش يصل إلى تحت الركبة مع سروال طويل من القماش نفسه والذي أصبح لاحقا موضة في السودان باسم « على الله « .
كنت فى زيارة لمدينة الرياض العاصمة السعودية بعد نهاية حرب الخليج الثانية بايام قليلة . قشرت بجلابيتي الأنصارية «جناح أم جكو» و العمّة « الماخمج « وذهبت لزيارة أحد الاصدقاء كان يسكن فى الدور السادس فى عمارة وسط المدينة . انتظرت المصعد الكهربائي لأكثر من خمس دقائق وكان يقف من خلفي مواطن سعودى يبدو فى الخمسينات من عمره تزين وجهه لحية بيضاء كثيفة وترتسم على وجهه ابتسامة لافتة للانتباه ويلبس جلابية قصيرة أو « توب « كما يسمونه هناك . دخلت المصعد ودخل معي ذلك الرجل ودخلت معه تلك النظرة الفاحصة و الابتسامة الغامضة . بعد التحية خاطبني قائلا :- « ايش لونك يا زول ؟ عسى حالك زين ؟ … صراحة عجبني توبك هادا بس لفت نظري ان وجه التوب متل قفاه … ليش كده ؟ « . حكيت له باختصار فكرة الجلابية و ذكرت له اسمها . توقف المصعد وخرجنا معا تصاحبه تلك الابتسامة التى عرفت أن «جناح ام جكو» كانت السبب من ورائها . قبل أن يودّعني حكيت له نكتة أخونا المصري القال للسوداني اللابس الجلابية الأنصارية : « والله انا مانيش عارف انت رايح و للا جايي !! « مما حوّل تلك الابتسامة الى ضحكة مجلجلة مقترحا علىّ أن نسميه « التوب أبو سيدين» أو « التوب أبو وجهين « . لكن فجأة إختفت تلك الابتسامة و بدت على وجهه مسحة تشوبها الجدّية وتعكس شيئا من الهم ثم ودّعني قائلا : « توبن زين آآآ بس صراحة ما أدري هل هو شرعي وللا مو بشرعي ؟ « ثم تولّى مدبرا . أتوجّه بنفس السؤال الى السيد إمام الانصار رواد الجلابية « أم وشين» للاجابة عليه أو لاصدار فتوى حول شرعية «جناح أم جكو « لكي تتضح الرؤيا و تعم الفائدة جميع بلاد المسلمين . قال لي أحد الاصدقاء الظرفاء ممازحا : (تعرف لو سيدنا يوسف كان لابس «جناح أم جكو» ما كانت إتعرفت مقدودة من ورا و للا من قدّام وكانت « زليخة « دخّلتو فى ورطة ماباقي لي كان حيمرق منها بأخوي و أخوك)!!!!!!.
شارك المقال
