
د. ناجي الجندي
كاتب صحفي
• في ناس كدا ربنا خلقهم للباردة، ووقت الحارة ليس هو وقتهم، واستحقوا قول الشاعر (بتصرف):
(كَلْبٌ) عَلَيَّ وفي الحروبِ نعامةٌ * فتخاءُ تنفرُ من صفيرِ الصافرِ
نعم الحرب ليها ناسها، ليها رجالها، أما أصحاب الخدور فمكانهن (جبنات) النسوان وقعدات السيور والبلالي، ولا عجبٌ فالعجبُ كثيرٌ وكبيرٌ وله (كرش) حيث كنا نتصدع من ببغاوات قبل الحرب تهدد وتندد وتتوعد وتصارع وتجاهر بالعداوة و(تحرش) ولما أطلق أحدهم يلبس (كدمول مرقط) طلقة واحدة هربت الجرذان وصمتت البقرة وولت الدبر، ولا حتى شاهدناها في (لايف) كدا طاير، فرغم حبها للأضواء لكنها تخاف أضواء الرصاص والدانات.
لونها أسود لا يسر الناظرين، اختفت البقرة وارتاحت وسائل الإعلام مدفوعة الأجر في المقابلات الممنتجة وخشبة مسرحها الهايفة، أين البقر الوحشي؟
الذي لا يتوحش على الباطل بل يتوحش على الحق ويهرف بما لا يعرف، أين البقر الذي أرغى في القنوات وتكلم بقرونه لا بلسانه؟
البقرة التي ترى في نفسها كل شيء وهي ما وإلا شيء واحد وهو (ذبابة) ولا هي الذبابة في أضان فيل التي يُضرَب بها المثل بل هي دون ذلك. كانت البقرة عظيمة الشقاق قليلة الوفاق مريرة المذاق قبيحة الأخلاق وعمرها في انمحاق، وفي المجالس لا تطاق، إخلاصها معدوم وقلبها من الحب محروم، لا الوعظ ينذرها ولا الموت يزجرها. فشرُّ ما في الرجل شحٌّ هالع، وجبن خالع، ويرى الجبناءُ أن العجز فخرٌ، لذلك يهرعون لذلك الفخر والخوف والجبن.
الحصاحيصا هذه المدينة التي يُطلِق عليها أهلها (درةُ المدائنِ) حبًا وولهًا وإعجابًا بها، وهذا حال كل متيم بناسِه وأهلِه وبلدِه، خرَّجت هذه الدرة أساطير في الفن والسياسة والرياضة والعِلم وكل شيء حتى حين تكتب عنها تحس بأنك تكتب عن بغداد أو دمشق أو القسطنطينية أو القاهرة مدن جمعت التأريخ والكمال، الحصاحيصا مصطفى سيد أحمد وحمدنالله عبد القادر في الفن ونميري محمد سعيد في الرياضة وبروفسير حسن مكي في السياسة، وحسن وراق في الإعلام، والمهندس الطيب تاج الدين في العمارة، وفي القضاء مولانا محمد احمد سالم، وغيرهم كثير حيث لا يُحصى.
كنت ولأني واحدٌ من أبناء هذا (الحجر الكريم) أدافع عنها في مجامع الشباب وجلسات الحبان من الرفقاء والنظراء، حتى قال لي في يوم ما أحد هؤلاء السُمَّار: الحصاحيصا دي يكفي إنها أنتجت (البقرة)، تاني إنتو مفروض تسكتوا ساي.
قاصد نسكت عشان بلدنا الحبيبة فيها بقرة، كان يمازحني ليجعل للنقاش حركة ووزن و(سخونية)، ووجود الأبقار في المدن النبيلة الجميلة ليس مذمة بل هو اكتمال لكونها مدينة، لا توجد مدينة جميلة في العالم لا يوجد بها (براميل زبالة)، أو فليحدثنا أهل البندقية في إيطاليا او لشبونة في أسبانيا عن ذلك، وهي أجمل مدن العالم في كل شيء، لا يوجد قصر أنيق لم تتطفل عليه ذبابة، لا يُوجد جدار سراميكي لامع لم تزحف فيه (وزغة)، الأحجار الكريمة نفسها تشبع من تسلقها الديدان والحشرات، ونحن من مدينة صُنعت من الأحجار الكريمة، الأنبياء خرج من أصلابهم (أبقار)، ومكة المكرمة بلد الرسالة المحمدية خرج منها أبو جهل عمرو بن هشام وأبو لهب وأمية بن خلف، فلماذا تستكثرون على الحصاحيصا أن تخرج منها (بقرة)؟.
شارك المقال