• أمسك قلمي وأتأمل الصفحة البيضاء كأنها مرآة لصمتي وأسأل نفسي: أكتب شنو..؟
أكتب شنو وقلبي مشطورا بين أشواقي المبعثرة بين البلاد.
انا في بلد وذكرياتي وبيتي، ووطني ومهجتي في السودان.
طفلتي في بلد …!
أسميتها «حنين» فأخذت كل حنين فؤادي ومهجتي صار اسمها مرآةً لقلبي تحمل بين حروفه كل أشواقي سرقت كل إحساسي وتركتني معلقاً في سفرٍ لا ينتهي.
أمي في بلد تسكن قلبي هي الوطن الأول، وحدود حناني، وصوتها هناك، رغم المسافات، يأتيني كل صباح كالدعاء المرتل، ينساب في روحي سكينة، ويفتح نوافذ يومي بطمأنينة لا تشبه أي سلام.
هي الحنين الذي لا يشيخ، هي الحكاية التي لا تنتهي، أكتب عنها ولا توفيها الكلمات حقها، فالأم وطنٌ يحتويني حتى وأنا بعيد. أمي هناك، وأنا هنا، وبيننا بحر من الدعوات والانتظار.
وزوجتي صوني ومسكني في بلد …!
وإخوتي عزوتي وجاهي في بلد وعموم أحبابي منتشرين في بلاد الله الواسعة…!
وأنا قلبي موزع ومشتت بين انتظار وأمل وبين حنين لا ينطفئ.
أكتب شنو؟
عن الأصحاب والإخوان؟ عن الحبيب العليش وذكرياته التي كلما هبت رياحها عليّ، غمرتني بالدفء؟
أم عن شيخ كمال، ذاك النبيل الذي يطوف حديثه على القلب كما يطوف النسيم على صفحة النهر؟
أم عن دكتور محمد ابراهيم ذاك الشفيف صاحب الكلمة الطيبة والابتسامة الوديعة التي تبعث السلام قبل أن ينطقها لسانه؟
أم عن قطبي الهميم ورمز الوفاء وصاحب الهمة التي لا تعرف الكلل؟
أكتب شنو؟
عن الجيران في المعمورة ومسجد القبب، حيث ذكريات السودان تعودني كلما سكنت الروح، وحيث الأيام الطيبة تمشي بأقدام الناس الطيبين.
أم عن كل الأحباب في الفردوس والطائف ولمتنا هناك تلك اللحظات الدافئة التي تتوهج في القلب مهما طال الغياب وامتدت المسافات؟
أكتب شنو؟
عن لمّاتنا في مسيد شيخنا إبراهيم بشرق النيل، وطلاب الخلوة الذين زانوا المكان بآيات الله، وحفظوا القرآن بنقاء قلوبهم، وأصواتهم التي تشبه تغريد العصافير عند أول الصباح، وعن عصري الجمعة حينما كانت الأرواح تلتقي قبل أن تفرّقها الدنيا.
أكتب شنو؟
عن ليالي المديح، عن مادح النبي، شيخ إسماعيل محمد علي، وصوته الشجي الذي يضيء القلب قبل أن يملأ الأذن، وتلك الليالي الوضيئة التي لا تستطيع الغربة ولا المسافات أن تمحوها، فهي جزء من الروح ومسكن للحنين.
كلما هممت أن أخط حرفاً وجدت أن قلبي أصدق من قلمي وأوفى من الكلمات.
ربما لا أكتب اليوم شيئاً وربما يكفيني أن أضع قلبي فوق هذه الورقة وأتركه ينزف بصمت ليخطها بمِدًاد أحمر لعلّ الحروف تجد وطنها كما يتمنى قلبي أن يجد كل أحبابه مجتمعين تحت سقف واحد وفي وطن واحد اسمه السودان.
ويا قُراء «مِدَاد أخضر» عجزت أن أكتب ليكم شي هذة المرة فقد تداعت جدران قلبي بين لوعتي واشتياقي وضاعت الحروف بين الشوق والحنين.
محبتي والسلام.
شارك المقال