أزمة مياه الشرب في السودان.. هل من حلول جذرية؟

33
د. خالد مصطفى

خالد مصطفى إسماعيل

كاتب صحفي

• في بلد تجري فيه أنهار كثيرة، ومعدلات أمطاره مرتفعة، بلد (تجري من تحتها الأنهار، ومن فوقها الأمطار). بالرغم من ذلك تعاني الكثير من مدنه وأريافه من  العطش، وقلة المياه، وارتفاع فاتورة المياه في الأماكن التي تتوفر فيها.

ومن المفارقات العجيبة في هذا السودان،  أن المياه في موسم الخريف أو موسم الأمطار  تفيض فتغمرنا الفيضانات، وتحدث فينا الخسائر والخراب، وتهدم البيوت، وربما دمرت قرى بكاملها، وتتسبب في أمراض ووبائيات نتيجة لهذه الفيضانات. 

وفي فصل الصيف أو فصل الجفاف تشح المياه، فيبحث الناس  عنها ولا يجدونها، فيقطع الإنسان والحيوان المسافات الطويلة بحثاً عن الماء، ويسبب ذلك معاناة لا حصر لها. 

فهل الماء في السودان أصبح رديف المعاناة؟! ففي موسم الأمطار يغمرنا فنعاني، وفي موسم الصيف يبعد عنا فنزداد معاناة!

وحتى المناطق التي تتوفر فيها المياه، مثل بعض المناطق الحضرية وبعض القرى حول النيل والوديان، وبالرغم من ارتفاع فاتورتها، وتكلفتها العالية، إلا أنها لا يمكن تسميتها أو تعريفها بأنها مياه نقية وصالحة للشرب، ففي معظم الأحيان تحتاج هذه المياه  لكثير من المعالجات الكيمائية والاحيائية حتى تصبح مياهاً نقية صالحة للشرب. 

أما الريف الأكثر تخلفاً حيث لا شبكات مياه، ولا محطات مياه أو  معالجة، وحيث يشرب الإنسان والحيوان من  المكان نفسه، 

يحصل الناس  على المياه من الخيران مباشرة «المشيش» في فصل الخريف، وفي فصل الصيف يحصلون عليها  من الآبار التي غالباً ما تكون بعيدة، ومياهها لا تكفي، فضلاً عن تلوثها، علماً بأن هذه الخيران تستخدم حمامات أيضاً لقضاء الحاجة، مما قد يسبب إشكالات صحية خطيرة. 

و الأرياف الأفضل حالاً  تتحصل على المياه عبر المضخات اليدوية، التي تم تطويرها من الآبار، ولقد لعبت المنظمات دوراً كبيراً في ذلك. وبالرغم من أنها أفضل حالاً، وتعتبر نوعاً من التطور، إلا أن عملية ضخ المياه يدوياً مجهدة ومكلفة من ناحيتي الزمن والطاقة، فلماذا لا تتحول إلى محطات مياه وصهاريج ترفع الماء بالطاقة الكهربائية عن طريق الوابورات، أو بالطاقة الشمسية. مع العزل بين أماكن شرب الإنسان وشرب الحيوان. وقد بدأت هذه التجربة بالفعل في بعض الأرياف وأثبتت نجاحها، فلماذا لا يتم تعميمها؟

الماء ضرورة حيوية لا غنى عنها، ولا يمكن أن تستمر الحياة بدونها وهذه من البديهيات. وكل الحضارات القديمة قامت على ضفاف الأنهار حيث تتوفر المياة، ونتيجة لذلك يصبح الاستقرار ممكناً، ويستطيع الإنسان أن يبني حضارة. 

إذن لماذا عجزنا نحن في السودان عن معالجة هذا الأمر الحيوي والضروري لاستمرار الحياة؟! 

وهل غلبتنا الحيلة في  معالجة هذا الأمر الحيوي المهم؟! 

فمثلاً في الأماكن الممطرة يمكن عمل خزانات مياه، عبر ما يصطلح عليه  ب (حصاد المياه)، لحبس المياه في هذه المواعين للاستفادة منها في فترات الصيف، ومنعها من الفيضان والتخريب في فصل الخريف، بالإضافة إلى  إمكانية الاستفادة منها في زيادة الإنتاج، من خلال  زراعة موسم  صيفي تروى بهذه المياه المخزنة. 

كما أن هناك مناطق كثيرة في هذا السودان  يمكن توصيل المياه إليها من النيل عبر الأنابيب، فطالما الأنابيب استطاعت حمل البترول من الجنوب وحتى الميناء في بورتسودان مروراً بكل السودان، إذن بإمكانها أي الأنابيب أن تحمل المياه إلى أي مكان في السودان. أو يمكن نقل المياه  بأي طريقة نقل أخرى يراها مهندسو المياه مناسبة. 

والأهم من ذلك كله، لماذا لا نطلق مشروعاً بحثياً علمياً لحل مشكلة المياه جذرياً  بطرق علمية حديثة في الأرياف والمدن؟ 

نجمع كل  مهندسي المياه والعلماء، ومهندسي الطاقة، والأطباء، وضباط الصحة، وكل من له صلة بموضوع المياه، ومن ثم نطلق مشروعاً بحثياً متكاملاً،   لنحصل على أفضل طريقة لمعالجة مشكلات المياه في الريف والمدن السودانية، ليكون ذلك مشروع عمل متكامل تتبناه الدولة عبر وزارة الري و الموارد المائية، بالتعاون مع المنظمات العاملة في مجال المياه والخيرين وغيرهم، ومن ثم يتم التنفيذ مرحلة مرحلة، حسب الأولويات الموضوعة.

نتمنى أن تأتي حكومة تكون من أولوياتها حل مشكلة المياه، وتسعى جادة في حلها جذرياً، فلو نجحت في ذلك فقط تكون قد خلّدت نفسها في التاريخ، ويكون اسمها (الحكومة التي استطاعت حل مشكلة المياه). والسلام.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *