أبناء السودان المغتربون.. ملاحم بطولية وانتصار عظيم في وجه الحرب اللعينة

171
محجوب الخليفة

محجوب الخليفة

كاتب صحفي

 • في خضم الخراب والدمار الذي اجتاح الوطن جراء الحرب اللعينة، حيث سقطت المدن وتفككت مؤسسات الدولة، وهُجّر الملايين، وباتت الحياة في السودان معلقة على حبال الرجاء، برز أبناء السودان المغتربون كطوق نجاة حقيقي لشعبهم، وكحائط صدٍّ وطني جسور وقف في وجه الانهيار التام.

لم يتأخر المغتربون عن تلبية نداء الوطن، ولم يتخلّوا عن أهلهم في أحلك الأوقات. بل كانوا في مقدمة الصفوف، يمدّون يد العون كلما اشتد الخطب وضاقت السبل. 

بادروا منذ الساعات الأولى للحرب بإرسال الأموال، والتكفّل بإعاشة أسرهم الممتدة، ثم وسّعوا دائرة عطائهم لتشمل الجيران، والأصدقاء، وكل من نالته المصيبة في محيطهم، داخل  المدن المنكوبة وخارجها.

لم تكن مساعداتهم مجرد تحويلات مالية، بل كانت حملات منسّقة، مبنية على الإحساس بالمسؤولية الوطنية والإنسانية. نظّموا قوافل الإعانة، واشتروا ماكينات الطهي الجماعي، وزوّدوا الأسر بالمواد الغذائية والأدوية والمستلزمات الأساسية. أسّسوا شبكات دعم مجتمعية تعتمد على التواصل اللحظي والتنسيق المستمر مع الداخل، فكان المغترب أشبه بوحدة دعم كاملة تقف خلف عشرات من الأسر المحتاجة.

ومع ازدياد القصف، وامتداد رقعة النزوح، تصدى المغتربون لمهمة الترحيل، فتكفلوا بإخراج آلاف الأسر من مناطق الخطر، واستأجروا المركبات، ونظموا الرحلات من مناطق الاشتباك إلى بقاع أكثر أمانًا. لم يكن ذلك سهلًا أو رخيصًا، لكنه كان واجبًا وطنيًا دفعوا فيه من جيوبهم ومن قلوبهم، ما لا تقدر عليه حتى الحكومات المستقرة.

ثم كانت المهمة الأعظم 

إعادة الحياة.

في المناطق التي انسحبت منها المليشيا، والتي باتت خالية من أبسط مقومات العيش، تحرك أبناء الوطن من الخارج ليعيدوا ما تهدم. 

اشتروا محطات الطاقة الشمسية لضخ مياه الشرب في القرى والمناطق المحررة، وهي مبادرة ذات بعد استراتيجي، إذ إن المياه تعني الاستقرار، وتعني عودة الحياة إلى طبيعتها. لم ينتظروا منظمات دولية، ولم يعوّلوا على المؤسسات الغائبة، بل صنعوا الأمل من العدم.

وساهموا في تأهيل المدارس التي دُمرت بفعل القصف أو نُهبت أثناء الاجتياحات. وفروا المقاعد، والمراوح، والمواد التعليمية، بل وساهموا في دفع أجور المعلمين المحليين لتستأنف العملية التعليمية في ظل ظروف صعبة. لم يكن اهتمامهم قاصرًا على التعليم، بل امتد ليشمل إعادة تشغيل المراكز الصحية عبر توفير الطاقة، والأدوية، وبعض المعدات الأساسية، في محاولة بطولية لدرء الكارثة الصحية عن كاهل الشعب المنكوب.

ما قام به أبناء السودان المغتربون لم يكن مجهودًا فرديًا فقط، بل ظهر في شكل تنظيمات تطوعية وكيانات مبادرة تضم شبكات من الخيرين الذين يعملون بصمت، ويوصلون الدعم لآلاف المحتاجين دون أضواء أو مقابل. 

كانوا سفراء للضمير الوطني، وأبطالًا حقيقيين على مسرح المعاناة، حيث كانوا يرسلون الخير بدلًا عن الرصاص، ويغرسون الأمل في أرض تنزف من كل الاتجاهات.

وقد تنوّع دعمهم من ولاية إلى أخرى، ففي ولاية الجزيرة، وولاية سنار، وولاية الخرطوم، ساهموا في إعادة النبض إلى المدن والأرياف، وأثبتوا أن الانتماء للوطن لا يرتبط بالمكان، بل بالإحساس والمسؤولية والولاء الحقيقي. تحمّلوا عبء ما كان يفترض أن تقوم به الدولة، وقدموا نموذجًا فريدًا في التضامن والتكافل.

 أثبت أبناء السودان بالخارج أنهم لم ينسوا وطنهم لحظة واحدة، وأن الغربة لم تُذهِب عنهم مروءتهم، بل زادتهم ارتباطًا بوطنهم وأهليهم. كانوا رجالًا ونساءً في مقام العظماء، كتبوا تاريخًا جديدًا من البطولات الصامتة، التي ستُروى للأجيال القادمة بفخر وعزة.

لقد آن الأوان أن تُرفع لهم القبّعات، وأن يُسجّل ما قاموا به كوثيقة خالدة في سجل الشرف السوداني، فقد كانوا – ولا يزالون هم الأبطال الحقيقون الذين يستحقون التقدير، وأن تقدم الدولة لهم كافة التسهيلات، وتستجيب لكل طلباتهم الضرورية.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *