
د. عبدالمنعم سليمان
كاتب صحفي
• وطن القماري وأنين السواقي، وحفيف سنابل القمح، وتغريد الكروان عند ضفة النهر، طاله الأذى، فمنذ أن نال هذا الوطن إستقلاله في عام 1956 م وحتى الآن، وذرات تراب الوطن الغالي تشكل غبارا كثيفا من وقع سنابك خيل الإحتراب ليحجب الرؤية عن واحات السلام، وهضاب التنمية.
منذ أن رفع الأزهري، والمحجوب علم الإستقلال في ساريته في صبيحة ذلك اليوم، و الجموع محتشدة، فرحة، وحواء الطقطاقة ترتدي ثوبا بألوان علم السودان، كانت داحس، وغبراء القتال قد إنتشر دخان باروده في سماء الجنوب، ليفزع الحمائم قبل البشر، وكان ذلك في تمرد توريت في ١٨ أغسطس 1955م، أي قبل رفع العلم في ساريته، وأخمد التمرد، ثم أعقبه حمل السلاح ، وأنانيا 1, أنانيا 2, ليتوالى القتل، والقتل المتبادل، وتلى ذلك إتفاق هش للسلام في عهد نميري في 1972م لينهار في ١٩٨٣ م وتجئ الإنقاذ ويزداد أوار لهيب النار ويحتفى بأعراس الشهيد، حتى تم الإنفصال في 9/7/2011 م، لتنهمر دموع الباباي مدرارا في الجنوب، وينتحب البركاوي في الشمال، وتستعصي الدامرقا على الإبتلاع في دارفور ، ويفارق السلات حصاه في شرق السودان حزنا والتياع.
وهكذا في غمضة عين أصبح القطر قطرين، وبقي تحت الرماد وميض نار وكان ذلك ميتة وخراب ديار إذ أعقب ذلك خسارة تصدير ما يقارب ال 500 ألف برميل يوميا جلها كان يأتي من نصف القلب المنشطر.
في فترة الإنقاذ لم يتم تمتين جدار الوحدة ، بل بدأ ظهور النعرات الجهوية، وحتى التعليم الذي كان يقوم على نطاق قومي، يتم القبول من خلاله بالذات في المدارس الثانوية من كل أنحاء القطر للمدرسة الثانوية فتجد معك في المدرسة الثانوية طلابا من دارفور ، ومن الجنوب، ومن أقصى الشمال، وأدروبا من أقصى شرق السودان، فتتلاقح الثقافات، ويزداد أبناء الوطن قربا وجدانيا، كل ذلك إختفى في تلك الفترة وأصبح دخول المدارس الثانوية لمن هم بالمحافظة، أو في الأغلب من هم بالمدينة.
إستفحل الصراع الذي لم يخبؤ أواره بانفصال الجنوب، بل تمدد لدارفور، وقويت شوكة المليشيا الجنجويدية، لتصبح بالقانون مولودا شرعيا من رحم الجيش، لتقوم الثورة، ويكسر شوكتها العسكر و الجنجويد، والكثير من النخب السياسية الفاشلة، لتستمر التناقضات، ويستعر الصراع، وتشب الحرب، لنرى من هذه المليشيا ما لاعين رأت، ولا أذن سمعت في ممارسات لا تمت لأخلاق الحروب بصلة.
في حالة إنتهاء الحرب، وبعد هذا الدمار في البنية الأساسية الهشة أساسا قبل الحرب، والسلاح المنتشر بين الناس، والنفوس المنكسرة من ويلات الحرب………….كيف لنا أن نستعيد الوطن.
أمامنا تجارب الشعوب بعد مثل هذه الحروب، ولا حل إلا بالتوافق على الحد الأدنى، في توافق إجتماعي سياسي ، إقتصادي، مع جيش واحد موحد، لا يخرج من رحمه إلا الإنضباط العسكري الذي يحافظ على حدود وأمن الوطن، والمواطن، مع حكم مدني رشيد، يتوفر له سياج الإختيار الديمقراطي، للوصول لوطن الحرية والعدالة والسلام.
شارك المقال