• ومن المستغرب في الغناء السوداني – والسودانيون أهل فرح وطرب – أنّهم يضعون ألحاناً فرحة راقصة لكلماتٍ حزينة النطق والمعنى، خذ مثالاً:
فات الأوان
وال انكتب
على جبينا الليلة بان
وقف قليلاً عند قوله (فات الأوان هات الدموع عطِر صدى الماضي اللي كان)…. كل هذه الدموع التي ذرفها محمد يوسف موسى تخرج في لحنٍ راقص، هذا ما يسمى (التمسك بالفرح).
دعك من ذاك المثال وتأمل أنّ المرحوم عبد الكريم الكابلي لم يعجزه أن يلحن ويغني للفيتوري
شحبت روحي، صارت شفقاً
شعت غيماً وسنا
كالدرويش المتعلق في قدمي مولاه أنا
أتمرغ في شجني
أتوهج في بدني
غيري أعمى، مهما أصغى، لن يبصرني
*
(نحن نثق بالله)
هكذا يكتب الأمريكان جملة عالية الإيمان عميقة المعنى على ظهر الدولار، الذي صار بهذه الثقة حاكماً لاقتصاد العالم شئنا أم أبينا.
الثقة بالله تعني الطمأنينة، والطمأنينة هي السكينة تلك التي وهبها الله جنده ((ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها)).
والأمل من جنود الله سبحانه وتعالى التي لا نراها، الأمل طاقة دفع إيجابية، الأمل بعض من تلك النفخة الإلهية التي جعلت من الطين إنساناً.
*
حكايات سمعتها من الأقارب والأصدقاء وعن غيرهم،
تتمحور حول مآسي الحرب، من فقد بيته، من فقد عمله، من فقد أسرة… ومن فقد كل ذلك… تسمع الأذن حزناً، وترى العين يقيناً وثباتاً وتمسكاً بالأمل.
إنّ هذا اليقين الذي تراه على الوجوه رغم المأساة، فيض رباني وعطاء ومنحة.
حدثني صديقي كيف أنّه فقد كل شيء… البيت والسيارة والمؤسسة الخاصة، ورغم ذلك كان يحدثني وابتسامة رضاء على وجهه، فقد سلم هو وسلمت أسرته ثمّ يقول
(كله بتعوض إن شاء الله).
اليوم أدركت لماذا نضع اللحن الراقص على حزين الكلمات… إنها ثقافة… ثقافة الثقة بالله والتمسك بالفرح…
واليوم سنفرح الفرح الأكبر، فرح افتراج الأزمة بعد أن طال الصبر، سنغني جميعاً كورالاً وفرادى، سنغني لعودة الجزيرة وعودة الخرطوم حرة أبية…
يا بلاد النور وإرهاص الخير
لا بدّ يوم باكر يبقى أخير
الدمعة تفارق للوجدان
ودموع الغبش الصابرة تسيل
صبرك لو طال ما باقي كتير يا بلادي
وفي ذات الإطار
ياما في الأغاني معاني….
شارك المقال