
د. ناجي الجندي
كاتب صحفي
• لم يَتوقع أحدُ النشاذِ أن تتبخر (لا للحَربِ) كتبخرِ قَلبِ فأرٍ حاصرتُه ستُ قططٍ مِن كلِ حَدبٍ وصَوبٍ، سكتت أقلام لطالما صدعتنا بالتثبيط ومقولة (معليش معليش ما عندنا جيش)، ولم نر في السودان إلا شعبًا سعيدًا مسرورًا كفرحة العريس يوم زفافه، إلا فئةً قليلةً تدفن رأسها في الرمال خجلًا وحياءً مما كانوا يكتبون، حين يكسب الجنجويد معركة يكتبون ويكتبون كأنهم أنيس منصور وخالد محمد خالد والعقاد وطه حسين، وحين ينتصر الجيش يصبحون أميين لا فرق بينهم وبين (دسيس مان) قدوتهم في التواطؤ وبيع النفس الكريمة، وبعد أن تم قفل (تقدم) الجنجويد بالضبة و(الدبل لي)، سكت غربان الميديا، فأصبحوا كلهم (الربيع) و(سندالة) وأرجوزات لا تستحق إلا البصق في وجهها.
السؤال الذي كنت أردده منذ أيام أين ذهب دعاة لا للحرب وما عندنا جيش؟ وهل ما زالوا في غيهم سادرين؟ حينما يشكك الرجال في جيشهم فقد شككوا في وطنهم، لأن الوطن هو القوة التي تحميه وإن كان عليها بعض الملاحظات، الوطن ليس البيوت والمشاريع واللحمة المجتمعية فقط، الوطن مجموعة موروثات، أولها الجيش، وحين نقول جيش لا نعني بذلك هؤلاء الجنود والضباط فهم زائلون، ولكنا نقصد كيانًا واحدًا لا نقايض فيه ولا حوله، أنت بدون جيش عريان، وبدون جيش تائه، وبدون جيش عصاة موسى تتهاوى ولو بعد حين، الجيش الضعيف نحن معه، الجيش القوي نحن معه، الجيش الإسلامي نحن معه، الجيش غير الوطني نحن معه، ومهما حسبتها للشذاذ لن يقتنعوا، لأن عبادة الأصنام كلفت الرسالة المحمدية مئات الصحابة والصالحين، وأكثر ما يشق علينا إخراجهم من الظلمات إلى النور.
الآن يقف مع الجيش الشيوعي والسني والصوفي والاتحادي والحزبي والمستقل وكل الأطياف السياسية والدينية، الآن أنت وأنا وهو نطمئن لأسرنا في مناطق الجيش، الآن أنا وأنت وأهلنا داخل الوطن نهتف للجيش، فأي حديث نقوله بعد هذا!؟ ويقولون معليش ما عندنا جيش! تجربة الكيزان كانت مريرة، ولكنا يوم ثرنا ضدهم وضد من أبدلوه لنا ابنعوف ارتضينا بالبرهان، ليس لشخصه، لأننا لا نعرفه لكن لأنه (جيش)، ولم يكن هناك غير رجل من هذه المؤسسة أفلا تعقلون؟ الحل المطروح هو فقط (جيش)، وهذا الخيار خيار تأريخي لكل الشعوب، حين يختلط الأمر حابله بنابله يتسلم الأمر الجيش، ولا بديل غيره ولا توافق بسواه، فتخيل أن يستلم السلطة حزب أو تيار، هل كانت الحرب ستهدأ؟ عليه رضيتم أم أبيتم حلنا وراحتنا هو الجيش.
نفس هؤلاء المتناقضين يفرحون حين يصل أهاليهم إلى مواقع الجيش، أعزائي نحن وطن، ورغم جرحنا علينا أن نضعه أمام أعيننا، لا أن نضع قبله تحزبنا وميولنا وهطرقات مشايخنا السياسيين، والدولة المدنية تبدأ بالجيش وليس بشعارات (لا للحرب)، والدولة المؤسساتية تبدأ بالجيش وليس بقحت أو تقدم أو صمود، وحتى الحرية والتغيير حينما كنا معهم كنا نبحث عن الجيش لنجلس معه ونتفاكر معه ونبدأ معه، وتظل الصراعات والخلافات في كل المراحل، لكن الذي لا خلاف فيه أن الجيش هو سيد الموقف، وأن الجيش هو النقطة الصحيحة التي يجب أن نبدأ منها، فإن قال (لا للحرب) قلنا لا للحرب، وإن قال (بل بس) قلنا بل بس، والآن نقولها بملء الفم (بل بس بل بس بل بس).
شارك المقال