
البراء بشير
كاتب صحفي
• يجد الناظر لحال الأمة ما لا يسره من اضمحلال وهوان قد أصابها، ولا شك أن ذلك يحدث لأسباب عديدة، منها ما علمنا ومنها ما لم نعلم. ومن الأسباب الجلية في هذا الأمر، تتبع الأخبار، والترصد للمستجدات السياسية والفنية وما شابه، عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من المنصات التي تنقل الأخبار.
ولو نظرت إلى حال الناس قبل وسائل التواصل الاجتماعي، لوجدت أنهم يعيشون حياةً تختلف تماماً عما نحن عليه اليوم، فقد تحدث غرائب في بقاع ليست عنهم ببعيدة ولا يلقون لها بالاً، ولا تصلهم تفاصيلها، ناهيك عن حال الناس قبل تفشي الصحف والقنوات التلفزيونية.
لكن اليوم الأمر مختلف جداً، فإن ما يحدث في أي فج من فِجاج الدنيا يعني الجميع، فيكون قضية رأي عام يتداولها الناس فيما بينهم، وتأخد الكثير من وقتهم في التداول والتحليل، وإن تراكم الأحداث وتجددها -بشكل يومي، يجعل من المستحيل الإحاطة بها- ثم تضخيمها وتكرارها من قبل وسائل الإعلام يكون حاجزاً يحول بين كل فرد والوصول إلى مبتغاه وتحقيق مجده الخاص، ومن ثم نفع المجتمع.
وقد وصف الدكتور عبدالعزيز الطريفي حال طلاب العلم اليوم بقوله إنهم أبصر الناس بالأحداث، وأجهل الناس بالعلم. ووصف الأخبار بأنها محرقة للأعمار.
وما يزيد الأمر صعوبة، أن الأخبار في هذا العصر أصبحت وسيلة كسب مادي لدى بعض الناس، وهو ما يدفعهم للغوص فيها وإعادة نشرها باستمرار، وهي للأسف تصادف على الجانب الآخر عقولاً مشتتة، وأفئدةً فارغة لاغيةً من كل شيء، فتتملكها وتكون سبباً في توهان أصحابها واشتعال أعمارهم، حتى تتحول أعمارهم إلى كومة رماد، وذلك لتأخرهم في إنفاذ المهام بسبب تتبع الأخبار.
ولذلك سمّيت المداومة على تصفح المستجدات بوحل التتبع، فإن الوحل يعيق حركة الراكب والراجل، ويبطئ سرعته. وذلك بلا شك لا يعني أن ينعزل المرء عن عالمه ويعيش منزوياً، بل عليه أن يُلِمّ بما ينفعه في دينه ودنياه، من عناوين بارزة مؤثرة اجتماعية كانت أو اقتصادية أو حتى سياسية، ولكن عليه ألا ينزلق إلى وحل التتبع والترصد.
وأذكر هنا نموذج الدكتور عبدالوهاب المسيري كما ورد في كتاب (الماجريات) للدكتور إبراهيم السكران، فقد تحدث عن الفترة التي قضاها عبدالوهاب المسيري بالولايات المتحدة الأمريكية، حينما كان يعد للحصول على شهادة الدكتوراه، وأظن أنه قد أرهقه تتبع أخبار المنطقة العربية، وما يحدث فيها من أهوال، وخصوصاً حروب العرب ضد الكيان المحتل، وهو حينها لا يستطيع أن يغير شيئاً، ولكن الأخبار هي التي تغير فيه، لذلك عزل نفسه عزلة نسبية -كما سمّاها هو- عن الآلة
الإعلامية.
وكما فهمت من النص فهو أصبح يأخذ العناوين المهمة من الأخبار، وتحول من مجرد مراقب للحدث إلى مؤثر فيه، وذلك بإصداره الموسوعة التي لا غنى لكل باحث في أمر الكيان عنها (موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية).
شارك المقال