ناجي الجندي

د. ناجي الجندي

كاتب صحفي

• ما قام به الدعم السريع في السودان لم يكن حالة وحيدة أو متفردة في إفريقيا وربما العالم، وكانت بمسمّيات مختلفة، وكان عدد القتلى والمغتصبين والشفشافة أكثر بكثير، ولكن الكثير من هذه التجارب كانت سببًا في نهضة تلك البلدان، لأن التجربة المريرة يفترض أن تُقوِّم صاحبها إلا إذا أبى، ولأن تجربتنا قياسًا بتأريخنا تجربة مريرة مريرة، ولم تحدث في بلادنا من قبل.

نهضة الدول لم تكن ولن تكون بفعل رجلٍ واحدٍ إن لم تتضافر فيها مقومات شتى، تبدأ بالوعي الجماهيري العام، والمصالحة مع كل مكونات المجتمع، فالمجتمعات المتصالحة تنهض، ولا أدل على ذلك من أن كثيرًا من المجتمعات تكون مختلفة في العرق والدين واللغة ومع ذلك نهضت، دور القائد محدود، ودور المجموعة هو المهم، ولنصل لهذا الوعي يجب أولًا أن نقول مرحبًا بالكل.

السقف الذي يجمع المواطن هو الوطن، والشيء الذي يحمي الوطن هو الجيش، قوات الشعب المسلحة لم تكن شركة مساهمة كيزانية ولا قحتية، بل هو مؤسسة حكمت البلاد أكثر من خمسين سنة، وفرضت نفسها شئنا أم أبينا، يمكن أن يكون في دولة ما (لا أحزاب) ولكن لا يمكن أن يكون (لا جيش)، لذلك مهما نهق الناهقون ليلوثوا هذه المؤسسة لن يستطيعوا، وقد قال كبارنا (الما بتقدر تغلبو صالحو)، ومصالحة المؤسسة العسكرية ليس لأننا لا نقدر عليها، بل لأن انتصارنا عليها يعني ضياع وطن، ويعني الفوضى، ويعني انهزامنا نحن، ويعني هزيمة الوطن، هكذا هي الحسبة.

لا أفضل من التصالح إلا التصالح، العلاقات البشرية الإنسانية تتجاذب ما بين عداء وكراهية وصداقة وحب، وتظل الفطرة السوية تبحث عن السلام والحب ولا ترضى الوقائع إلا عكس هذا، ما عدا ما فرضه علينا ديننا من الاقتتال والذب عن الأوطان والأعراض ودفع المعتدي، وهي حالة عايشناها فقاتلنا الذي يقاتلنا، الجبهة الوحيدة التي تنتصر هي جبهة (شعب واحد وطن واحد) لا غير، والذي لا شك فيه أن جهات عدة لها مصالحها في استمرار الحرب، وحينما نقول الحرب تطفو على السطح مصطلحات (كيزان فلول بلابسة قحاتة حركات مسلحة)، ونتذكر (كل كوز ندوسو دوس) ونتذكر (صابنها، ما بنرجع إلا ال… يرجع) وغيرها من العبارات الإقصائية، يظل الموقف المعتدل هو الموقف الذي يجد رفض المجموعتين سويًا، ولأن هناك مصطلح مصالحة، فالمصالحة لا تكون بين متفقين بل ذلك دليل على إنها بين متحاربين أو مختلفين. والمصالحة لا تعني في معناها العام (لا للحرب)، لأننا لن نتجرأ على أمر كتبه الله علينا، بل هي توافق لكل ما هو سوداني.

الحركة الإسلامية في السودان قدمت نموذجًا سيئًا للحكم، وهذا ليس دليلًا على سوء الإسلاميين بالعموم، كما وأن العسكر قدموا نموذجًا سيئًا للحكم، وهذا ليس دليلًا على سوء الجيش، والحكم المدني قدم أكثر من تجربة فاشلة، وهذا أيضًا لا يعني أن المدنيين سيئون.

مشكلة الحكم في السودان هي عدم المصالحة، فحين حكم الإسلاميون عادوا الشيوعيين ومن ثم كل ما هو غير (كوز)، وحين حكم العساكر عادوا المدنيين، وحين حكم المدنيون قالوا (كل كوز ندوسوا دوس)، وأنشأوا محاكم الطوارئ المتمثلة في لجنة إزالة التمكين سيئة الذكر.

والمصالحة لا تعني الهزيمة بل هي الشجاعة ذاتها، فكل تجاربنا فيها إقصاء، ومع الإقصاء تنشأ العداوات والتحديات والصراعات، فينبت النبت الشيطاني من شخصيات هلامية وحركات إبليسية وأسماء تصيبك بالغثيان وتحدثك أنها من علامات الساعة.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *