هل يستطيع المنتخب السوداني أن ينهض من كبوته ويحافظ على حلم التأهل؟

37
المنتخب

الناجي حسن صالح – «فويس»

 

• في ظل السحب الكثيفة التي تخيم على مستقبل صقور الجديان بعد التعثر غير المتوقع أمام نظيره الجنوب سوداني، يبرز سؤال مصيري: هل يستطيع المنتخب السوداني أن ينهض من كبوته ويحافظ على حلم التأهل إلى كأس العالم؟ الحقيقة أن الموقف رغم خطورته ليس ميؤوساً منه، لكنه يتطلب وقفة جادة وإجراءات حاسمة تبدأ من الاعتراف بالأخطاء وتنتهي بتصحيح المسار. المشهد الحالي للمنتخب يشبه سفينة تواجه عاصفة شديدة، فإما أن تجد الربان الماهر الذي يقودها إلى بر الأمان، وإما أن تستسلم للأمواج العاتية.

لننظر أولاً إلى جذور الأزمة الحالية، فالتعادل المخيب لم يأت من فراغ، بل هو نتاج تراكمات عدة ظهرت بوادرها في مباريات سابقة لكنها لم تحظ بالعلاج الكافي. الضعف الهجومي الذي طالما كان نقطة سوداء في أداء الفريق، تفاقم في هذه المباراة لدرجة مقلقة بغياب محمد عبدالرحمن بداعي الإصابة. عدد الفرص المهدرة أمام شباك أحد أضعف المنتخبات في المجموعة يكشف عن أزمة حقيقية في القوة النهائية للهجوم، وهي أزمة تتجاوز الجانب الفني إلى الجانب النفسي. اللاعبون يبدون تحت ضغط هائل كلما اقتربوا من منطقة الجزاء، وكأن ثقلاً كبيراً يكبل حركتهم ويشل تفكيرهم في اللحظات الحاسمة. كما حدث للاعب بوقبا أمام السنغال. هذه الظاهرة النفسية تحتاج إلى متخصصين في الدعم المعنوي بقدر ما تحتاج إلى تدريبات فنية مكثفة.

خط الوسط، الذي يفترض أن يكون محرك اللعب وموزع الدماء في جسد الفريق، يعاني من انفصام واضح. هناك لاعبان أو ثلاثة يقدمون أداءً مقبولاً، لكنهم يعملون كجزر منعزلة بدلاً أن يكونوا نظاماً متكاملاً. غياب التنسيق بين محاور خط الوسط يجعل اللعب عرضة للتشتت، خاصة عندما يقع الفريق تحت ضغط الخصم. في المباراة الأخيرة، كان من الواضح أن خط الوسط فقد السيطرة على إيقاع اللعب لصالح المنافس الأقل تصنيفاً، وهي إشارة خطر لا يمكن تجاهلها.

أما خط الدفاع، رغم أنه الأكثر تماسكاً نسبياً، إلا أنه يظهر ثغرات خطيرة في التغطيات الجانبية واللعب على الكرات العالية. الملاحظ أن المدافعين غالباً ما يقعون في خطأ التمركز الخاطئ أو التأخر في رد الفعل، مما يضع الحارس محمد مصطفى في مواقف صعبة لا ذنب له فيها. هذه الثغرات قد لا تظهر بوضوح أمام الفرق الضعيفة، لكنها تصبح كارثية عند مواجهة منتخبات تمتلك خطوط هجوم منظمة وسريعة، وعندما يغيب الحارس الأساسي محمد مصطفى.

في الجانب التكتيكي، يبدو أن الخيارات أصبحت محدودة ومتوقعة. الخصوم بدأوا يقرأون تحركات الفريق بسهولة، ويضعون الخطط المضادة التي تعطل آلياته الهجومية. غياب عنصر المفاجأة والاعتماد على نمط واحد في الهجوم يجعل مهمة المدافعين المنافسين أكثر سهولة. المطلوب الآن هو جرأة في تغيير الأنماط وتنويع الخيارات الهجومية، ربما بالاعتماد أكثر على الهجمات المرتدة السريعة أو استغلال الكرات الثابتة التي يمكن أن تشكل سلاحاً فعالاً إذا ما تم التدرب عليها بجدية.

رغم هذه الصورة القاتمة، فإن الأمل لا يزال ممكناً. المجموعة لم تحسم بعد، وهناك فرص أخرى يجب استغلالها بحرفية. النقاط التي أهدرت يمكن تعويضها، لكن ذلك يتطلب تغييراً جذرياً في النهج. 

أول خطوة هي المراجعة الشاملة للأداء، وليس فقط من الناحية الفنية، بل أيضاً النفسية والإدارية. 

ثانياً، يجب إعادة تقييم القائمة الوطنية بموضوعية، مع إعطاء فرص للاعبين الذين يمكنهم إضافة دماء جديدة للفريق. 

ثالثاً، تطوير خطط بديلة تكون جاهزة عندما تفشل الخطة الأساسية.

المنتخبات التي تترك بصمة في التصفيات هي تلك التي تستطيع التعلم من أخطائها بسرعة. صقور الجديان أمام خيارين لا ثالث لهما: إما الاستمرار في نفس النهج ومواجهة خيبة أمل أكبر، أو القيام بثورة داخلية يعيدون من خلالها اكتشاف أنفسهم. الجماهير السودانية التي وقفت خلف فريقها في السراء والضراء تستحق رؤية منتخب يعكس روح البلاد الصامدة، منتخب يتحلى بالإرادة التي لا تلين والعزيمة التي لا تنكسر.

الوقت لا يزال متاحاً، لكن الساعة تدق بسرعة. كل مباراة قادمة هي بمثابة نهائي مصغر، وكل نقطة ستكون ثمينة في رصيد التأهل. التاريخ لن يتذكر الأعذار، لكنه سيخلد المنتخبات التي استطاعت أن تكتب مجدها من قلب المحن.

السؤال الآن: هل سيكتب صقور الجديان فصلاً مشرفاً في سجل التأهيل العالمي، أم سيصبحون مجرد حكاية متكررة عن إهدار الفرص؟ 

الإجابة تكمن في ما سيقدمونه من الآن فصاعداً.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *