

بقلم: عامر محمد أحمد حسين
• ترتكز هذه الكتابة على « نقد النقد – ميتا نقد ، للتعرف على تشريح وتفسير فيصل دراج في تناول الروائي عبدالرحمن منيف بعد غيابه ،والفرق بين التشريح وادواته الفلسفية والمشرحة في تشريح منيف بعد وفاته ، لاتدعي القراءة صناعة الجديد إنما تسعى لتجسير الهوة بين اجيال تحكمت في المشهد النقدي لسنوات وسنوات، ولم تترك بصمة وبقدرة قادر تحولت إلى مراجع ، ويتم وضع اقوالها بين الاقواس للتمييز ووضوح الرؤية وصوابية الفكرة.
لم احب يوماً كتابات فيصل دراج / الاكاديمي/ الكاتب / الناقد.وعلى القراء عدم التمسك بهذه الجزئية، وان لايفترضوا اويصيبهم وسواس، بأنني ساظلم الكاتب ،رغم ظلمه الفاحش للروائي عبدالرحمن منيف في هذا الكتاب ،وتجاهله للعظيم الطيب صالح في كتاباته – يتجاهل ضوء الشمس ، ويكتب في الظلام فتخرج خطوطه متعرجة، وغيردقيقة، وتخرج عن السطر وبالتالي يظهر اخرق الخط.
اتناول كتاب او كتيب لفيصل دراج « عبدالرحمن منيف ورواية الالتزام – الدكتور فيصل دراج – مركز دراسات الوحدة العربية – سير واعلام ط اولى شباط فبراير ٢٠١٢م» والكتاب التزم به صاحبه، وظل يؤكد التزامه، في كل فقرة ترتبط بمنيف، وصعوده ووصوله اعلى نقطة في جبل السرد الروائي العربي، وهو التزام يخص ويلزم، الدكتور فيصل دراج.
وللمفكر الراحل (جان بول سارتر) مقولة حول الالتزام ،وفيها من السخرية ما فيها ،وقد تلخص كذلك ما سعى إليه دراج، من هرولة نحو مايعن له ويتوهمه.
يقول سارتر الساخر في كتابه « ما الادب: « كاتب شاب احمق يقول عني: « إذا كنت تريد ان تلتزم، فماذا تنتظر كي تنضم إلى الحزب الشيوعي؟ ويقول كاتب كبير التزم في ادبه أحياناً كثيرة» ولم يلتزم كذلك في اكثر الاحيان « ولكنه نسى طابع إنتاجه « شر الفنانين اكثرهم التزاماً « انظر مثلاً الرسامين السوفيت .ويشكو مني ناقد شيخ هامساً:»إنما تريد اغتيال الادب ففي مجلتكم يتبدى في وقاحة احتقار فنون القول والكتابة.
ومن ذوي العقول الدنيا من سماني « الرأس العنيد «وواضح ان هذه اقذع شتيمة لديه ويلومني اني لا اهتم بالخلود في الادب».
..الالتزام :
يقول الدكتور فيصل دراج «عاش عبدالرحمن منيف ،الصعود القومي، والتزم به وانخرط في حزب قومي ،وشارك في الكفاح الشعبي، منتقلاً بين بغداد والقاهرة ،ودمشق إلى ان اصبح مناضلاً محترفاً ، جامعاً بين الفكر والممارسة ، قبل ان ينسحب من العمل الحزبي المباشر ، مؤثراً الانتقال إلى الكتابة الروائية التي تابع بها إلتزامه القومي ، بشكل مختلف – كتاب دراج « ونحن هنا في حضرة كاتب محترم ملتزم سياسياً، تدرج في فريق الالتزام الثوري من الناشئين والشباب، حتى مرحلة اللاعب المناضل المحترف.
ولكن المناضل المحترف الملتزم، داخل تنظيمه السياسي، والجامع بين الفكر والممارسة، او بين الحركية السياسية، والنظر الفكري، وبكل هذه المقومات، من فكر وممارسة سياسية، وصولاً الى احتراف النضال، وتفرغ الكادر، وبكل هذه الصفات والمواقع « انسحب من العمل الحزبي المباشر مؤثراً الانتقال الى الكتابة الروائية التي تابع بها التزامه القومي بشكل مختلف- « منيف ورواية الالتزام « هذه السردية من دراج، تدحرجت بصورة تثير مع الشفقة الإشمئزاز، وهو يحكي عن منيف بعد غيابه.
ولوان منيف كان من قراء الكتاب لقدم الاحتجاج، واوصله شبكة الاصدقاء، والحواريون، ولكن الكتاب نشر بعد غيابه ب (8) سنوات. وماتم سرده ينم عن الاستعجال من اكاديمي محترف وهو يكتب وعن مناضل محترف وكاتب كبير وصل إلى درجة حزبية مرموقة وفجأة : آثر الإنسحاب عن منظومته السياسية ،والفكرية والانتقال إلى «الكتابة الروائية» التي تابع بها التزامه القومي « يريد الدكتور فيصل دراج التأكيد على طبيعة التنظيمات السياسية العقائدية وايديولوجية ترتبط بالالتزام وهو ينفى التفرغ للكتابة الروائية، ويؤكد التزام منيف بمنظومته السياسية في حقل الرواية في الآن نفسه في مفارقة عجيبة. ولاتثريب ولاتسريب في ان يتفرغ، او يلتزم منيف ولكن كل التثريب، في ممارسة كتابة( اللف، والدوران على القراء ودس العقيدة السياسية في السرد اي دس السم في الدسم وهو الخيالي الاكيد). يضيف الدكتور دراج « وإذا كان الواقع السياسي المباشر بالابتعاد عن التنظيم « دفعه إلى تجربة التحزب التنظيمي ، فإن التجربة عينها هي التي اقنعته بالانسحاب منها ، ذلك انه لمح سريعاً خللاً في تطبيق الفكر القومي « بعد ان وصل القائلون به إلى السلطة، حددت هذه التجربة المواضيع الاساسية لرواية عبدالرحمن التي احتفظت بالفكرة القومية ووجهت نقداً شديداً إلى سلطات تقول بالوحدة العربية ولاتسمح لشعوبها بالكلام ، وهذا ماجعل من روايته « سيرة ذاتية فكرية تعرف ماعاشته ، وتضعه في اشكال روائية مختلفة» – الكتاب منيف ورواية الالتزام « يجرد فيصل دراج الروائي( منيف) من الخيال ،والتخييل السردي، ولكي تستقيم عنده رواية الالتزام، فإن منيف جرب كل السبل من اجل التواصل مع الفكرة القومية، وبعد الاحتراف النضالي ،وصل إلى محطة يريد منها الابتعاد عن العمل السياسي المباشر، وفي هذه الحالة وكمناضل محترف، كان عليه نقد المؤسسة ،وممارسة النقد الذاتي وإعلانه الالتزام الثوري السردي كطريق بديل لدخول الخنادق وحمل السلاح. ولكن دراج يوضح: بانه قد اندفع إلى « التحزب التنظيمي « وبعد الإندفاع والعمل داخل التنظيم كادراً محترفاً وصاحب قرار فإن « التجربة عينها اقنعته بالإنسحاب « ونحن امام سياسي ملول ،يتحرك من مهمة الى مهمة فإذا فشل طلب نقله الى شعبة اخرى ، فإذا فشل قال بالنيابة عنه فيصل دراج: «ذلك انه لمح سريعاً خللاً في تطبيق الفكر القومي بعد ان وصل القائلون به إلى السلطة « ولكي لاينسى دراج عنوان كتابه والالتزام به، فقد احتفظ منيف بالفكرة، وهو المختلف سياسياً بترك التنظيم وفكرياً كما قال دراج «حددت هذه المواضيع الاساسية لرواية عبدالرحمن التي احتفظت بالفكرة القومية ووجهت نقداً شديداً إلى سلطات تقول بالوحدة العربية ولاتسمح لشعوبها بالكلام وهذا ما جعل روايته سيرة ذاتية فكرية تعرف ما عاشته وتضعه في اشكال روائية مختلفة» ولعل سؤال تقول بالوحدة العربية ولاتسمح لشعوبها بالكلام، يحشو حشواً كلمات تدل على فهم قاصر ومقصر، وقصير النظر، ماعلاقة الوحدة العربية بنظام الحكم، واستبداد الحاكم.
وإذا افترضنا بأن الوحدة العربية لاتمثل لفيصل دراج شيئاً ، ويراها من زاويته عنواناً لا مفتاح له، والشعوب التي تحلم بها فإن عليها ان تكف عن الحلم العربي وتنعى ملحن الأوبريت الموسيقار حلمي بكر ، وتطالب مع وريثه إبنه بتشريحه بزعم تسممه وهو تسمم اخف من تسميم مائدة كتابات عبدالرحمن منيف بالإسقاط النفسي ،والنرجسية، وتخرصات صديق يدعي محبته والحرص على إرثه وسمعته النضالية « الدبة قتلت اولادها بدعاوي الحفاظ عليهم من زمهريرالشتاء « صيف فيصل دراج الوحدوي مرتبط بأممية ،وتأميم العلاقات، ولماذا الخوض في بحر القومية العربية بسلطان ، ان السلطات تزعم الوحدة، وتمنع الكلام عن شعوبها .ومشروع الوحدة العربية كما رسمه رواد الفكر يقوم على « العوامل البشرية-العامل اللغوي: اللغة العربية هي السائدة في جميع الأقطار العربية، وهي السبب في خلق التواصل الاجتماعي والتقارب السياسي، وتوحيد الفكر العربي.
التراث الحضاري: ويتمثل في مجموع الإنجازات العلمية والثقافية التي حققها العرب عبر تاريخهم الطويل، مما جعل لهم هوية ثقافية مميزة تجمعهم تحت راية وتمنحهم قّوة كبيرة تمكنهم من صد أي عدوان خارجي أو داخلي متمرّد أو متطرّف وحماية أنفسهم وأوطانهم من شرور الآخرين: ويكبيديا « والسؤال مجدداً ماعلاقة هذه السمات بوصول نظام حكم بالقوة المسلحة إلى السلطة السياسية ،ونجاحه او فشله، في الحكم.وهي تجارب التقييم لما قدمت واخرت ونجحت وانتكست وليس بالطعن في الفكرة الاساسية لرواية عبدالرحمن منيف كما يقول صديقه فيصل دراج. وضرب المثل بفشل الانظمة الديكتاتورية تسأل عنه المنظومة الحاكمة، وليس الفكرة والمشروع…
والسؤال عن الفكر السردي للكاتب والروائي عبدالرحمن منيف ورواية الالتزام بقراءة دراج يجعل من مشروع الرجل السردي كأنه تلقين للقارئ وحشوه بكلمات محددة تسير على منوال مشروعه الوحدوي القومي، وكان لزاماً عليه ان يخرج تنظيمياً، وينتظم سردياً منافحاً عن فكرته ومتخذاً الانظمة مظلة لتفريغ شحناته السياسية على لسان ابطاله، وارجلهم في حركة النضال السردي، في بوادي مدن الملح واخواتها..هنا يلزم الدكتور فيصل دراج إبراز حجته النقدية، ومنطقه الفلسفي العميق في قراءة الملتزم الدكتور عبدالرحمن منيف .
والسؤال عن الالتزام في اللغة والادب ينمو ويكبر في مباهاة دراج بأدب منيف وانتقاصه منه في جعله منشوراً سياسياً لحركة القوميين العرب.
قد نأخذ من جزئية السياسي الملتزم رفض منيف للسلطة السياسية المنحرفة عن المسار القومي، ولكن دراج يقدم منيف باعتباره مستنيراً ديمقراطياً والملاحظ ان اغلب سرديات منيف لاتظهر فيها ديمقراطية السارد والراوي العليم بل احياناً تجدها مترفعة عن الواقع وتجعل من احد شخصياته كمثال، «حارساً للافق من بعيد «وتحيل كلمة الافق إلى الماوراء والتأمل، وتغبير الظاهر بالباطن، وهو في مكمنه بسيطاً لايقدر على حفر سرديات خبير النفط( منيف)..وسمات الوحدة العربية تنحصر عند دراج في موقع منيف داخل تنظيمه السياسي، ثم تتدحرج إلى السلطة واستبدادها في حين ان الوحدة هي كائن شعبي يحس ويحلم ويتألم ، ينفتح على الآخر وينكمش ويصحو وينام ولا تتبدل لديه القناعات بنجاعة موقفه وصحة رؤيته وجزيل شكره لأمة عظيمة لم يقهر لسانها استعمار او يقتل ثقافتها متآمر..
بذل دراج، جهده كله من اجل تصفية الحسابات مع القومية العربية ،وتبرئة صديقه منها سياسياً ،وإثبات الفكر والسرد بوابة دخول لعالمه السردي اليقظ في مواجهة «الرفاق السلطويين» يريد الدكتور فيصل دراج إقناع القارئ بالتزام الروائي منيف وعبقريته الفذة ،وديمقراطيته ،وإنحيازه للحرية كملتزم مع شعبه الوعي الكامل في الكتابة والرهان على مايكتبه في مواجهة الانظمة الديكتاتورية العسكرية والاستعمار. وهنا مربط فرس السؤال عن انتظام منيف في الصف الأول الديمقراطي ودفاعه عن حقوق الشعوب وتخصيصه جزءاً من دخله لصالح مراكز حقوق الإنسان والضغط النفسي والاجتماعي والفكري على الديكتاتوريات القومجية القاهرة المستبدة ؟.وللقراء فإن كل هذا لم يحدث ولم يحدثنا به منيف في سيرته الذاتية السردية « .
..المعرفة الواسعة..
شارك المقال