محمداني

هيثم محمداني

كاتب صحفي

• نحن شعبٌ فريدٌ في تكوينه، استثنائيٌّ في عطائه، صانعٌ للمعجزات بلا ادّعاء، وخالقٌ للدهشة بلا تصنّع. هذا ليس محض كلامٍ يُقال، بل حقيقةٌ نلمسها في آثارنا، في طباعنا، في أفكارنا، وفي بصماتنا التي تركناها في كل أرضٍ حللنا بها. نحن أمةٌ ولودٌ للعقول المبدعة، نملك فكراً يسبق زمانه، ورؤيةً تبزّ غيرنا، لكننا – للأسف – لا نحسن إطلاق العنان لها، ننظر إلي الفرص تمر امامنا ولكنا لا نغتنمها بل ننتظر أن يبدأ غيرنا، فنلحق به متأخرين! 

 العبقرية التي تُحبس في الصدور 

تأمل نفسك، إن كنت سودانياً بحق، ستجد أنك بطبعك ناقد، ولكن ليس أي نقد! في الغالب هو نقدٌ بَنَّاءٌ ، يصاحبه اقتراحٌ يرفع الفكرة إلى مستوى أفضل: «لو فعلوا كذا، لكان أحسن»، وغالباً ما يكون كذلك! لكن المشكلة أننا لا نبادر، بل ننتظر، ثم نقول بأسى: «كنت سأقولها!». وكأننا كتبنا على أنفسنا دور المتأخرين، لا الرواد!

 نرفع بعضنا بالكلام… ونهدم بالفعل! 

لدينا أزمةٌ أشدّ إيلاماً، نُصفّق لبعضنا ظاهرياً، لكننا في قرارة أنفسنا لا ندرك قيمة بعضنا حقاً! ونكابر في الاعتراف بذلك. يؤسفني أن أقولها، ولكنها الحقيقة المُرّة: معظمنا – لا كلنا – يحسد بعضه، يحطم بعضه، يتوجّس من نجاح أخيه، ويرى في صعوده تهديداً له، بدلاً من أن يكون مصدر فخرٍ له! كيف ننهض وأيدينا تمزّق بعضها؟ كيف نتقدّم ونحن نُثبط المبدع، ونُحبط المجتهد، ونقف حجر عثرة أمام المتفوّق؟

 نحن نبني لغيرنا… لا لأنفسنا! 

لقد أصبحنا نعمل لنعمر أوطان غيرنا، لا وطننا! وهذا لم يكن حالنا في الماضي، بل هو واقعٌ فرضته الهجرة المستمرة لعقولنا النابغة منذ العصر الحديث. العقول السودانية أضاءت سماء دولٍ كثيرة، نهضت بأنظمتها، ساهمت في تنميتها، وكانت العمود الفقري لنجاحها، لكن حين تعود هذه العقول إلى وطنها، تجد التربة جافة، والرياح معاكسة، وكأن الوطن لا يُقدّر أبناءه كما يجب.

فإلى متى نهب إبداعنا للآخرين ونحرم وطننا منه؟ إلى متى نبني في أرضٍ ليست أرضنا، بينما يبقى وطننا في مؤخرة الركب؟ متى نعمل لنُعمر لأنفسنا، لا لغيرنا؟ متى نعيد للوطن خير عقولنا، بدلاً من أن نهديها للآخرين؟ هل آن الأوان لنلتفت لأنفسنا، ونعيد بناء ما تهدم بأيدينا؟

 الوقفة التي لا تحتمل التأجيل 

نحن بحاجةٍ لوقفةٍ صادقة مع أنفسنا، وقفةٌ تخلّصنا من أعباء الماضي، وتفتح لنا دروب المستقبل. لقد خلقنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف، لا لنتخاصم، ولا لنتحزب في قوالب ضيقة تخنق أرواحنا. وطننا واسعٌ بحجمه، لكنه ضاق بنا بتصرفاتنا، حتى جاءت الحرب فزادتنا ضيقاً على ضيق! رأينا كيف أن أرضنا، التي كنا نراها بحجم القارة، لم تعد تتسع لنا، وكيف أصبحنا نبحث عن مأوى في كل مكانٍ إلا في دارنا!

 حلولنا أمامنا… ولكننا نغضّ الطرف عنها! 

مشاكلنا كثيرة، ولكن حلولها أبسط مما نتصور، تبدأ بكلمة طيبة، بنيةٍ صافية، بجلسة صدقٍ نُقصي فيها القبلية والعنصرية والمناطقية، فالمشكلة ليست في انتماءاتنا، بل في كيف نتعامل معها. إلى متى سنظل نُغني للوطن بألسنتنا، ولا نحبه بقلوبنا؟ إلى متى سنرفع شعارات الحب، ثم نطعن الوطن في ظهره بسلوكياتنا؟

 الجرح عميق… ولكن الأمل لا يموت! 

وجعنا بحجم السماء، وجرحنا بعمق التاريخ، لكننا لن نظل نبكيه للأبد! فلنجلس، نتحاور، نحمل همومنا معاً، نبحث عن حلولٍ لا عن أعذار، عن بناءٍ لا عن هدم. ربما تأخرنا كثيراً، ولكن الأوان لم يفت بعد، فالخير فينا، والنهوض يبدأ بقرار واحد: أن نبدأ!

«إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ» (الرعد: 11).

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *