Muatasim Taj Elsir

معتصم تاج السر

كاتب صحفي.

• رسالة تضيء شاشة هاتفي مساءاً بتوقيت المهجر البعيد قادمة من الوطن صوت حروفها يدفئ القلب فإذا بصوت أمي عليها الرضوان تقول: «صباح الخير» 

وأنا هنا تحت سماء سوداء تتوشح بالنجوم ، أبتسم رغم الفارق الكبير في الزمن وأقول:صباحك النور ، وأضيف: بس نحنا لسه ما زال ليلنا « طفلاً يحبو»..!! 

فتتمتم : «سبحان الله»

وتردد قائلة: «نحنا دابنا صباح».

حينها تشرق صباحات في عز الأماسي.

تُذكّرني تلك الرسالة بحقيقة بسيطة وهي أن الحُبّ لا يعرف فرق التوقيت.

فتواصل أمي والأهل والأحبة لا تقيده ساعات أو مناطق زمنية. 

هو كالنبع الذي يتدفق بلا توقف ينساب عبر الأمواج الرقمية ليصل إلى قلبكَ مهما بعدت المسافات ومهما أختلف التوقيت.

إن مفردة «الصباح» أو أحدى مدلولاتها ليست مجرد عبارة تُقال في وصف جزء من اليوم فقط، بل هي فلسفة سودانية عميقة تختصر في كلماتها كل معاني البدايات والشباب ، عن العود الأخضر الذي لم تلامسه أعاصير الزمن بعد، وعن الأمل المتجدد في كل إشراقة شمس.

حين يلوح الصباح يتبدد الظلام تختلف مصادر الإشراق أهو انفلاق الصباح أم البدايات الجميلة أم الوجوة الندية

وحين شروقها تنتفي الحوجة للمصابيح في تبديد ظلمات الليالي يحضرني هنا قول شاعرنا الإنسان سيد عبدالعزيز  حين قال:

«مسو نوركم شوفوا المن جبينها صباح»

«والصباح لو لاح لا فايدة فى المصباح».

ويا سبحان الله على جبينها اللاح…!!!

وكما يقال الإسم سالم حاشى أن يكون المصباح بلا فائدة فهو جدي لأُمي الذي أدى اللقيمة وفك الصريمة وعدي الكليمة وآخر الليل كان من أهل القويمة «له المغفرة والرضوان».

نحنا دابنا صباح هو أمل بأن اليوم في بداياته، كما الأحلام في أول طريقها، زاهية وخالية من غبار الخيبات. 

هو إشراقة حياة جديدة، تماماً كما الحُبّ في لحظاته الأولى، حين تكون الكلمات عذبة والقلوب خفيفة كأجنحة الفراش.

يذكرني أخ حبيب كان يشرح لي من فترة في تعبير «دار صباح» التي يقولها أهلنا في الصعيد والجزيرة وكثير من بوادي السودان والتي يقصدون بها وصف جغرافي لإتجاه الشرق وكذلك شروق الشمس. 

كما يوجد وصف مترع بالجمال حينما يوصف أهلنا الزول السمح والزين بأنه زول «صباح عافية». 

وما أجمل صباحاتك يا بلد.

أما الصباح والشرق عن السادة الصوفية أهل المحبة فهو ذاك الشوق المُشَرّقِ تلقاء القبة الخضراء الضاوي نورها في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم التسليم.

إن الصباح هو العُمر عندما يكون في ريعان الشباب، حيث كل شيء ممكن، وكل الطرق مفتوحة نحو غد أجمل.

وكما قال أزهري الوطن بلسان مصطفانا:

   «الصباح الباهي لونك» 

 «وضاحة يا فجر المشارق»

 وضاحة أزهري لونها صباح وهي فجر مشارق وهي زاتها وضاحة دي نور معجونة في نور.

«نحنا دابنا صباح» هي كصوت أرضنا المعطاءة تلك الأرض التي أنجبت وتنجب كل يوم أبناء بررة لوطنهم وأهلهم. 

هي وعد أرضنا الخصبة البكر التي لا تشبهها أرض في العالم، حيث تُثمر الحياة كما الحلم دون انقطاع.

إنه صوت نيلنا، ذلك النيل الفتي الشاب الذي يضج عزة وعنفواناً وشباباً.

وهديره يحمل نغمة لا مثيل لها، نغمة مختلفة لا تشبهُ وهو يعبر بلاداً مجاورة أو يصب في شواطئ بعيدة. 

إنه نيل السودان، نيل النقاء والعزة.

يهتف السودان الآن بعد هذه الحرب ورغم كل الجراح، «نحن دابنا صباح». 

نعم …. لأن الفجر الجديد يلوح في الأفق، وأرضنا التي تشبعت بالدماء والدموع تستعد لتزهر من جديد.

فنحن دابنا صباح لأننا نحمل في قلوبنا أملاً لا ينكسر بأن هذه البداية ستكون الأجمل لأنها تأتي من قلب المعاناة.

سوف نقول جميعاً كسودانيين: نحن دابنا صباح. 

إنه صباح السودان الجديد صباح الوحدة والأمل والسلام.

صباح يعيد لنا نغمة الحياة الجميلة التي انتظرناها طويلاً. 

نغمة تشبه ضحكات الأهل في الصباح الباكر ورائحة الأرض بعد المطر.

هذه ليست مجرد كلمات إنها دعوة لنا جميعاً لأن ننهض، نحِب، نعيش، ونتشبث بالحياة كما يتشبث الفجر بسماء الليل حتى يشرق. 

حي على الصباح صباح السودان الجديد

«ونحن دابنا صباح… والصباح رباح».

مودتي والسلام.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *