
د. بشرى الفاضل - كندا
• كان هناك رجل بدين ولم نكن نحفل بوفرة جسمه لولا أنه كان من الطفابيع و بات يشق في فزعٍ الصحراءالغربية بعد أن قصفت مسيَّرة ناقلته العسكرية فارتعب وتخبط وجرى شرقا وغربا أولاُ، ثم خيل إليه بعد انحسار الرعب أنَّه يعرف مصدر المسيَّرة ورأي أن يسرع لجلب إحداثيات المنصَّة التي انطلقت منها . ولم يجد أَمامه سوى حمار تائه في الصحراء فامتطاه. وهكذا أصبحت تلك الدابة مستغلة وتنوء بكلكل هذا البدين الفظ الذي. لم يكن سوى طفبوع وديك تحت جلده ودَكٌ يشبه برادة حديد صدئه، والطفابيع لا تعرف الرحمة تجاه البشر أما تجاه الحيوانات فحنقها معها أشد أذ تصاب إزاءها بحرقة الرّوح.
وعندما يتلكأ الحمار وهو يقدم رجل ويخرج أخرى بصعوبة أثناء تسلق كثيب مفروض عليه بواسطة الكتلة الطفبوعية الهائلة والشحم برادة الحديد، يصاب الحمار بالرهق فإذا انهال عليه الطفبوع بالضرب بعصا مجرمة التقطها وهو يستعمر ظهر الحمار وإذا استمر الضرب مع الغضب المصحوب بصياح في طيِّه شتى البذاءات كأن الحيوان يفهم السباب، يتشيط الحمار غيظا. ويظهر ذلك الغيظ بزفير من أنفه.ولولم يكن الطفبوع ممتطياً لظهر لحمار بل كان أمامه للوى الحمار الحانق عنقه وعضَّه، ولو كان الطفبوع وراءه لرفسه، وهما حيلتا الحمار الوحيدتان للدفاع عن نفسه لو كانت للحمير أنفس. وهكذا أعيت الحمار أية حيلة يبحث بها عن وسيلة للخلاص من هذه الكارثة الوديكة الجسيمة.
المسافة المطلوب من هذه الدابة قطعها طويلة وهو لا يعلم ولا الجهامة فوق ظهره تعلم كم تبلغ بالأميال، لكن يبدو أنها مسيرة نهار بحاله.
ومع تواصل الحث مع الضرب أصبح الحمار في حالة يرثى لها، إن كأن ألرثاء يجوز مع الدواب.ولا ندري ماذا كان يدور في تلافيف رأس الحمار فالتفكير عند الحمير يأتي من فكرة كأن نصفها ينبثق من نهرٍ ماؤه عكر ونصفها يتاتى من نهرٍ ماؤه صاف، خصوصا إذا كانت حمراً غير مستنفرة.
لكن لعله لعله ليس تفكيراً كما عند البشر، بل هو تعبير حيواني عن التعب والإرهاق وكادت الخلايا الضئيلة في دماغ الحمار أن تمتلىء كلها بالضيق فتأمر قوائم هذا الكائن البائس بالسقوط؛ لكن فجاة وبدلاً عن ذلك مال الحمار ميلاً ثم جال بداخله لحم وسال بجوفه سيل من دماء و كال كيل من غضب فتحور الحمار في لحظة وأصبح ضخماً ثم(فال) فأصبح فيلاً ثم أصبح جسده يمتلىء أكثر فأكثر إلى أن غدا الطفبوع المرعوب متشبثاً بظهر الفيل الحماري المفاجئء حتى للطفابيع .ثم طالت قوائم الحمار لأمتار وتضخمت بحيث عمدت لأن تصبح كأعمدة برج بينما أصبحت ساقا الطفبوع ووركاه على ظهر الفيل الضخم منكمشة وضئيلة كطاقية حاخام يهودي فوق نافوخ برأس ضخمة، وأصبح الطفبوع مرعوباً ويتشبث أكثر فأكثر مثل طفلٍ مرعوبٍ بظهر الحمار المتفيلن .وفي اللحظة التالية انتقل الحمار فجأة من حالته الضخمة تلك فتحور لحجم صغير للغاية فصار صرصارا مع الاحتفاظ بشكله فهوى الطفبوع من علٍ وتلقته صخرة فانفجر وتشظَّى جسمه وتطاير شرره وشره كما يتطاير شرر شهاب يلامس الغلاف الجوي.ثم تحور الحمار مرة أخرى وفار حتى تحول لفأر لكنه كان حماراً لا زال ولك أن تتخيل ما جرى للطفبوع القميء: في البداية انبرش من برش وتفرشخ فجأة فوق الصخرة مفتوح الساقين من حالته وهو ممتطياً فيلاً لحالته وهو مرتطماً بالأرض. وفي ثوان انفجر وطرشق كبالونةوتناثر شحمه برادة الحديد وتناثرت عظامه بينما انسرب الفأر وجرى بقوائم لا تشبهان أرجل فأر.جرى لايلوى على شيء.
وقبل أن يختفي الحمار الفار في جحر في ذلك الحجر المنتقم تبخَّر رهقه وارتاح كثيرا لأن غمةً انكشفت من رأسه وإنفكَّ جسده من الأسر وهكذا أصبح الفأر الحماري يزفر كأن صوت زفيره مع الزذاذ يقول: أَلَمْ، بينما حملت الرياح برادة الحديد الصدئة وهي كل ما تبقى من شحم الطفبوع. وهي برادة لا تقترب منها الطيورٌ ولا حتى حدأة من السابحات في الجو الباحثات عن الفرائس.
شارك القصة