
محمد المهدي
مستشار التحرير وكاتب صحفي
• يتفرد السودان دون بلاد العالم العربي والأفريقي بكثرة اللجان، الرسمية منها والشعبية. وتكوين اللجان الشعبية ناتج عن القصور الحكومي في تقديم الخدمات للمواطنين في مناطق سكنهم، مما يدفعهم إلى البحث عن حقوقهم بِطَرْق أبواب الوزارات والإدارات الحكومية، ومقابلة المسؤولين لتسهيل إجراءات الحصول على تلك الخدمات.
تبدأ المشكلة منذ لحظة ميلاد الأحياء السكنية الجديدة، والتي تنشأ إما بإعادة تخطيط مناطق سكن عشوائي، وإما عن طريق توزيعها عبر خطة إسكانية حكومية جديدة، يسلّم فيها كل مستحق قطعة أرض، بعد سداد الرسوم شاملة قيمة الخدمات من شبكة مياه وكهرباء وغيرها من ضروريات الحياة.
لكن على أرض الواقع، تبدأ معاناة أصحاب القطع السكنية الجديدة، خصوصاً من يريدون الشروع في تشييد منازلهم والانتقال للسكن فيها، فقد يكون بعضهم مستأجرين منازل بمبالغ تثقل كاهلهم، ومنهم من يسكن في بيت الأسرة في مساحة ضيقة عبارة عن غرفة فقط، ومنهم من كثر عدد أفراد أسرته فهو في حاجة إلى مساحة أكبر ليشيد عليها منزلاً متعدد الغرف والمنافع.
هنا تتولد الحاجة إلى تكوين لجنة من السكان لمتابعة احتياجاتهم من الخدمات لدى مختلف الجهات. وتلك المتابعة تتطلب منصرفات مالية لتغطية تكاليف تحركات أعضاء اللجان، كما أن المواطنين اعتادوا على المساهمة الشعبية في سداد نسبة من تكلفة إيجاد تلك الخدمات فيما كان يعرف ب(العون الذاتي). فيفرض أعضاء اللجنة مبلغاً على كل بيت نظير توفير الخدمات المطلوبة، من مياه وكهرباء، إضافة إلى حاجة المنطقة إلى الخدمات التعليمية والصحية والأمنية، فيجتهد السكان في سداد قيمة توصيل شبكة المياه، وقيمة أعمدة الكهرباء والمحولات، ثم يلتفتون إلى أشياء أخرى يحتاجون إليها كالمدارس والمساجد، فيبحثون عن المحسنين لتشييدها أو للمساهمة في بنائها. وعند ازدياد عدد السكان تبدو الحاجة إلى إنشاء جمعية خيرية باشتراك السكان ودفع رسوم شهرية، لتوفير الصيوان والكراسي مجاناً أو بإيجار رمزي للأعضاء.
من هنا نجد أن الناس يضطرون إلى تكوين اللجان المتعددة في الأحياء، لمقابلة تلك المشكلات وإيجاد الحلول لها، فنجد لجنة (الجمعية الخيرية، ولجنة التعاون، ولجنة المسجد، ومجلس الآباء في المدارس)، وهناك اللجنة المسؤولة عن إدارة شؤون الحي، وهي ممثل السكان وختمها هو المعتمد لدى الجهات الرسمية، فهي تمنح شهادة السكن، وشهادة الوفاة وغيرها من الاختصاصات.
اللافت في هذا الأمر، أن هناك أشخاصاً لديهم قناعة وإصرار بأنهم هم الأحق بعضوية كل هذه اللجان، بل ورئاستها، فيسعون إليها سعياً حثيثاً، ويظلون ملتصقين بهذه اللجان ما داموا على قيد الحياة، وكأن شعارهم (العمل في هذه اللجان حتى يدركهم الموت). وللإنصاف، فإن قليلاً من هؤلاءِ أصحاب مبادئ، ويقدمون خدمات جليلة، ويتمتعون بسمعة حسنة، ويحظون باحترام الجميع، وتظل ذكراهم حيّة، وكلما ذكروا دعا لهم الناس بالخير.
أما الجانب الآخر، فهناك من يتكسبون من العمل بهذه اللجان، وهم غارقون في الكسب الحرام، والناس على علم بهم، لكنهم يفترضون في أنفسهم الذكاء، ويظنون بالآخرين الغفلة والغباء والجهل، إلا أن الناس يعرفون عنهم كل كبيرة وصغيرة، ولكن يدعونهم ليومٍ تشخص فيه الأبصار، ينصب فيه ميزان العدل لدى الواحد القهار، لا ينفع الغافلين حزبٌ ولا سلطةّ ولا سبيل للإنكار، فهناك حقوق لا بدّ من أن تؤدى..
دعاء:
في هذه المساحة، أسأل الله الرحمة والمغفرة والثواب الجزيل لاثنين من رموز العمل العام، قدّما كل الممكن وبعض المستحيل، فقد سهرا الليالي، وبذلا وقتهما وجهدهما، وتركا بصمة واضحة، وخلّفا ذكرى ناصعة البياض..
رحم الله المتفرد تاج السر عبد الحفيظ أبو شنب، الإداري المحنك، الذي ارتبطت باسمه كل الخدمات التي ننعم بها الآن في الحارات من ال 17 إلى ال21 بالثورة، من مياه ومدارس ومواصلات، وكهرباء.
ورحم الله النقابي المحنّك الهادي آدم، أول رئيس لرابطة الناشئين بالثورة الحارة 21.
نحن في حاجة إلى أمثال هؤلاء الرجال، ليت الزمان يجود بمثلهم.
شارك المقال