مأمون أبو زيد مصطفى.. نجم ساطع في سماء العطاء والإلهام

19
محمداني

هيثم محمداني

كاتب صحفي

• في سجل الزمن الذي تخطّه القلوب قبل الأقلام، تبرز أسماء لا تمحى آثارها ولا يبهت بريقها، رجالٌ حملوا همّ الجالية في غربتهم، وجعلوا من العمل الطوعي جسراً يعبرون به إلى قلوب الناس. وبين هؤلاء الأفذاذ، يسطع نجمُ مامون، الرجل الذي أحبَّ النادي السوداني بالعين كأنه وطنٌ ثانٍ، وأبى إلا أن يكون خادماً أميناً، ومعلماً مُلهماً، وبانياً مخلصاً.

«مأمون المأمون»، اسمٌ جمع بين أمانة العطاء وسمو الفكرة، كما جمع بين الوفاء والانتماء، ليظل هذا الاسم طيفاً يضيء سماء الجالية السودانية بالعين. كما أن «مأمون المأمون» كان مثالاً للشجاعة في اتخاذ القرارات الصائبة، وأيقونة في العمل الاجتماعي والرياضي، حيث لم يكن مجرد اسم يمر على الذاكرة، بل كان دافعاً للإلهام والقدوة التي تحاكي أروع معاني العطاء.

 الريادة تبدأ بخطوة وتثمر بإنجازات

منذ اللحظة الأولى لوصوله إلى مدينة العين في سبعينيات القرن الماضي، لم يكن غريباً أن يجد نفسه في قلب الجالية، فهو الذي نشأ على حب الوطن وخدمة الناس. قاد العمل الرياضي بتنظيم فرقٍ سودانية في أحياء المدينة، حيث كانت القلوب تتوحد في ملاعب القطارة والمعترض والنيادات والمعهد الإسلامي، لتشكّل نواةً مجتمعية تُعبّر عن قيم الإخاء والروح الرياضية.

• وما المرءُ إلا حيثُ يجعلُ نفسَهُ

ففي صالح الأعمالِ يحيا ويُذكرُ

 الدورات الرمضانية.. فجرٌ أضاء الخليج

من أبرز بصمات مأمون التي لا تنسى كانت الدورات الرمضانية، والتي كتب لها أن تكون شاهدةً على عبقرية التخطيط وبراعة التنفيذ. لم تكن مجرد منافسات رياضية، بل كانت مهرجاناً جامعاً، تجذب اللاعبين والجماهير من مختلف الجنسيات. ولعل بثّ النهائيات على التلفزيون كان دليلاً على نجاحها الكبير، لتتحول إلى حدثٍ رياضي رائد تجاوز حدود الإمارات ليشمل دول الخليج.

• إذا غامرتَ في شرفٍ مرومِ

فلا تقنعْ بما دونَ النجومِ

 ملاعب وشواهد.. إنجازات تخلد الأثر

ولأنه رجل يؤمن أن البنية التحتية هي أساس النجاح، كان له دور بارز في تشييد ملاعب النادي. بأيدٍ مفعمة بالحب والعزيمة، أقام مع زملائه ملاعب كرة القدم، السلة، والكرة الطائرة، وحتى منصة المسرح. لم تكن تلك مجرد مشاريع حجرية، بل كانت شواهد على العمل الجماعي وروح الإخلاص، حيث ساهم الأبناء بجانب آبائهم في تلك المهمة النبيلة.

• ومن يصنعِ المعروفَ لا يعدمُ جوازيَهُ

لا يذهبُ العرفُ بين اللهِ والناسِ

 مدرسة الكرة.. استثمار في الأجيال القادمة

إيمانه العميق بأهمية النشء جعله من أبرز مؤسسي مدرسة الكرة، التي استهدفت جميع المراحل السنية. تلك المدرسة لم تكن مجرد مركزٍ تدريبي، بل كانت مصنعاً للقيم والأخلاق، حيث تربّى الشباب على روح الفريق، والتنافس الشريف، والاعتزاز بالانتماء.

• وينشأُ ناشئُ الفتيانِ منا

على ما كان عوّدهُ أبوهُ

 روح الجالية وعصبها النابض

لم يكن عطاؤه مقتصراً على الرياضة، بل امتد ليشمل العمل الإنساني. أسس مع أبناء مدينته رابطة أبناء ود مدني تحت مظلة النادي، ليقدموا الدعم الطبي والإنساني لمستشفيات ود مدني، خاصة قسم الأطفال. كما كانت للرابطة بصمة واضحة في تقديم المساعدات المادية والمعنوية في مناسبات الأفراح والأتراح، لتصبح نموذجاً للعمل الاجتماعي الراقي.

• هم القومُ إن قالوا أصابوا وإن دعوا

أجابوا وإن أعطوا أغنوا وأجزَلوا

 رغم الرحيل.. القلب في النادي مقيم

في عام 2012، غادر العين عائداً إلى السودان، لكن قلبه ظل متصلاً بالنادي. ظل يتابع كل صغيرة وكبيرة، يقدم الرأي والمشورة، وكأنه ما زال يسكن بين جدرانه. ولعل تأسيسه لرابطة «لمتنا في العين» عند العودة إلى الوطن، كان دليلاً على حنينه لتلك الأيام التي جمعته مع إخوة دربٍ في أفراحهم وأتراحهم.

• سيذكرني قومي إذا جدَّ جِدُّهمُ

وفي الليلةِ الظلماءِ يُفتقدُ البدرُ

 كلمة وفاء.. رسالة للأجيال

إلى مأمون ذلك الرجل الذي لم يكن مجرد عضوٍ في النادي، بل كان قلبه النابض وروحه الملهمة، نقول: لقد كنت مثالاً للرجل الذي يحمل الوطن في قلبه أينما ذهب. كنت شجرةً وارفة الظلال، استظل بها كل من لجأ إليك، وستبقى ذكراك عالقة في القلوب، منارةً تُضيء درب الأجيال القادمة.

يا من نسجت من حبك خيوط الأمل، وأقمت جسور العطاء بعرقك ووقتك، ستظل رمزاً للعزيمة، وقصيدة تُغنى في وجدان الجالية، وعلماً لا يغيب عن سماء النادي السوداني بالعين.

• قد كنتُ أوفي بالعطاءِ فإن مضيتُ

فذاك شِعاري بينَ قومي باقياً

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *