محمد المهدي

محمد المهدي

مستشار التحرير وكاتب صحفي

• حِلَّتنا فيها الخير مترادم، عددنا ليس كبيراً، أرضنا شاسعة، صالحة للزراعة، عندنا نيل، ومطر، وحلَّتنا بتغرق كل خريف، لكن الناس عطشانة، بنتعب عشان نلقى المويه، ومعظم حاجاتنا بتجينا من الحلّال القريبة والبعيدة، لماذا؟

لأن مشكلتنا: 

* الكهرباء ما وصلت لكل الحِلّة، والوصلت ليهم ما مستمرة، بتقطع أغلب الوقت، والجاز غالي، والزراعة محتاجة للكهرباء. 

* ولو حصل زرعنا التسويق مشكلة، ما عندنا بنية تحتية، الطرق غير معبدة، تكلفة الترحيل عالية، والرسوم، كل حِلّة أو مدينة نمر بيها دايرين رسوم. 

* الزراعة محتاجة الشباب طاقة ولياقة وحيوية، لكن أولاد حِلّتنا كلهم مشوا المدينة، أو سافروا، أو هاجروا، برسلوا لأهلهم حق الأكل، وحق الدراسة لإخوانهم، وحق العلاج للمرضى وكبار السن. أصلاً نحن في حِلّتنا المسؤولين ما عندهم مسؤولية تجاهنا، بجونا في الاحتفالات والانتخابات فقط، وما بجيبوا لينا حاجة، بالعكس نحن نتبرع لأي حاجة نسويها  وهم للافتتاح يجونا، ويخاطبونا، ويوعدونا، وتذهب وعودهم معهم، تأخذها الرياح وترمي بها بعيداً.

* باطن أرض حلَّتنا وظاهرها عامر بالحاجات المفيدة، والنادرة والثمينة، دهب عندنا، نحاس عندنا، بترول عندنا، الرمال حقتنا بشيلوها ناس الحلّال لأنها ثروة وبتدخل في صناعات مهمة، غابات عندنا، أعشاب طبية عندنا.. حتى «السنمكة» «والحنضل» الموجودة في الخلا بشتروها الخواجات، بعملوا منها أدوية. 

* البهايم بالكوم، ولّادة وماشة في زيادة، لكن ناسنا مشتهين اللبن ومشتقاته. كثير من أطفالنا لا يجدون كوب حليب في هذا الزمن العجيب. 

* أولاد حلَّتنا تلقاهم في أي مكان، علماء، أطباء، جنود مهندسين، أساتذة، عمال مهرة، فنيين، تجار، قضاة. بنوا الكثير من البقاع، وجعلوا منها جنّة الله في الأرض، حتى مع الخواجات نافسوا، وأبدعوا،  وتفوّقوا.. لكن ما استطاعوا أن يفعلوا ذلك في حلَّتنا، لماذا؟

* الصراع من أجل الكرسي، مجموعات تتصارع، تفشل وتصر على الاستمرار، متمسكين بالسلطة تحت شعار (سأحكم حتى أموت)، ليس فيكم من هو أجدر مني بهذا المنصب، أنا لها.

* يلتف أصحاب المصالح والهتيفة حول العمدة، يباركون كل ما يقوم به، ولو كان فيه هلاك الناس، يضيّقون الخناق على أهل الخبرة والعلم والأمانة والصدق، فيغادرون حِلَّتنا دامعة عيونهم، نازفة قلوبهم بسبب الحزن والحسرة على أن خيرهم سيذهب إلى غير أهلهم.

* هذا قليل من كثير في شأن مأساة حلَّتنا.

* لكل ما سبق نحن في منعطف تاريخي خطير منذ النشأة، لم نستطع تجاوزه. والسؤال: هل نعود إلى صوابنا، ونصحح مسارنا، أم نواصل سيرنا وراء سراب نحسبه جميعاً ماء؟

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *