ملكة الفاضل

ملكة الفاضل

كاتبة وروائية

• وعروس وسط الساحة تتثنى بدلال متألقة بفستانها (الخرطوم بالليل ) آخر ما جادت به محلات الأقمشة لفساتين العروس . وهو مزيج من الساتان والحرير يتداخل فيه الذهبي والفضي فيتراقش ويبهر العيون والعروس تتأود به وتفاجئ العريس بقون وسط زغاريد قريباتها وصويحباتها و»أبشر يا عريس» من أصحابه وأقاربه وأقارب العروس وكل من جاء به صوت (الدلوكة) والمغنية في هدأة ليل القرية الوادع.  القرية لا تعرف سوى الألفة والانس الجميل والبساطة وصواني والطعام تخرج من بيت إلى بيت عند الأفراح والأتراح وأصوات (السفنجة) وهي تعلن عن قدومها ورواحها (ببوري) ولحن شجي وعلى متنها في كل مرة قادم أو ومغادر وربما صحيفة تنقل للمتلهفين أخبار الخرطوم وما بعد الخرطوم.  والحنين إلى الخرطوم وليد زيارات وحكايات وملامح نضيرة وربما منلوج في مدرسة تردده بعد سنوات بنات تلك العروسة التي رقصت بفستان الخرطوم بالليل “يا ربي متين أزور الخرطوم. قالوا لي في الخرطوم البت تلاقي عريسا دخلوها الجامعة وشغلوها رئيسة “الخ المنلوج الموثق لزمان كانت الأماني غير الأماني والتطلعات غير التطلعات والخرطوم المضيئة التي تتلاقى فيها كل سبل المواصلات برا وبحرا وجوا ولم تبخل على صاحب\ة حلم أو أمنية، لم يدر بخلدها أن يخمد كل شيء فيها حد الانطفاء. 

وشاعرنا الذي تجمع قوافيه بين عبقرية المعنى وجزالة اللفظ والقصيد متجدد الثراء الفذ مصطفى سند يتحفنا بمفردة  « ليتك» وعبارة « لا تزال « وأي من الاثنتين تكفي مثل الكثير مما جادت به قريحته  لكي تكون عنوانا لهذا التداعي الذي يلم بنا ونحن جلوس في البلكونة ننظر للسماء فتثير الأشجان نجومها وننظر حولنا فتعيد لنا الأضواء الباهرة ذكرى وذكريات رحلة في بعض أنحائها جعلتنا نتعرف على (سنايرنا)  في الجامعة  نحن القادمون والقادمات  حديثا للخرطوم ونتعرف على البحر القديم  وعلى الربان الذي أذهلتنا  قدرته على إدارة مجداف المفردة والجزالة وذلك الغموض الذي يجعلك أسير الإبحار في مفرداته وقوافيه  وأنت  لا تفتأ تعيد القراءة الكرة بعد الكرة ولا تمل ولا تكفيك أمسية ثقافية تستمع فيها للشاعر نفسه يلقي القصائد نفسها التي سحرتك ولا يأخذك العجب كيف تعود مسحورا بها كما كنت. 

ونهتف مع الشاعر « ليتك لاتزال « ذلك الأفق الذي يفرد جناحه على كل القادمين والقادمات اليه بحثا عن علم ينتفع به الجميع وعن عافية لم تستطع الشفخانات ولا العيادات ولا المراكز الصحية والمستشفيات اعادتها اليك فنعيدها لك الخرطوم وبحثا عن كتاب ومدرسة وجامعة لم تتاح لك حيث كنت، أتاحتها لك الخرطوم وأمان افتقدته ذات جنون، وجدته في الخرطوم. حتى تلك الملكات التي حباك الله بها لا تجد فرصتها إلا في الخرطوم، فكيف يصبح عليك صباح ولا تجد الخرطوم ولا تراها وإن رأيتها لا تعرفها؟  كيف يطمر الأزيز والهدير والدوي تلك الصور المجيدة وتلك الرؤى بكل ملامحها النضيرة وكيف لم يعد أي شيء يخصنا : لا الأرض  ولا التراب ولا المطر ولا الدعاش  ولا الرؤى ولا الخيال ولا الأماني  ولا  الأمان؟ رحم الله زمانا كنا فيه نحلم بالخرطوم في كل مكان ويقدرنا الله على زمان لا نعثر فيه على الخرطوم التي عرفنا وألفنا. 

العنوان من قصيدة الشاعر الفذ مصطفى سند من ديوان (البحر القديم) ويقول في بعض مقاطعها

عبرت ملامحك النضيرة خاطري 

فهتفت ليتك لا تزال

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *