الناجي صالح

الناجي حسن صالح

رئيس التحرير

• صديقي له طمعٌ فكري باطني وشَرَهٌ بلا حدود..
هو رئيس حزب الاستنارة والناطق باسمه.
وهو الرئيس الفخري لاتحاد كرة القدم الولائي.
وعضو كتلة الوسط والشمال والجنوب والغرب وكل قِبلة..
وعُيِّن مؤخراً عضواً لمجلس إدارة رابطة المسؤولية المجتمعية.
كما أنه مستشار كيان الأمة لمركز صناع الحلول.
إلا أنه عضو بارز ونشط في الجمعية الاقتصادية القُطرية.
وقد كان رئيساً للرابطة القومية لطب المجتمع وأمراض المناطق الحارة. إلا أنه استقال حديثاً لعدم تفرغه.
وهو المؤسس والأب الروحي لجمعية المهندسين، غير أني لا أعلم يقيناً أي فرع من الهندسة كان هو.
والآن هو بصدد تأسيس المركز السوداني لعلوم الفضاء والفلك.
وازداد من النهم رجرجة فكان رئيساً لتجمع المفكرين السودانيين.
فهو رجل موسوعي بجلاء. ومع هذا كله لا أرى له طحيناً.
فهو وأمثاله متشابهو السمت.. ولهم ملامح عضوية خاصة، فتجدهم عريضي العلية، كروشهم تميل إلى ازدراد، منتفخي السافلة، يمشون بخيلاء وبميل ظاهر يقارب الوقوع.. ويبلعون بلا مضغ.
يدارون الداخلة بملء الهيئة وحشوها باللباس طمعاً في اعتبار زائف، وأينما رمى أحدهم بهمته انتفع.
دائمو التلوُّن، ومنفتحون على كل المسالك، ينتظرون الريح إلى أين تهب..
هذا يذكرني بنظرية شهيرة كنا نتدارسها في كليات الحقوق؛ تسمَّى بنظرية الرجل المجرم، التي أسس لها العالم الإيطالى لومبروزو فى عام 1876م، بأن المجرم ولد ليكون مجرماً، لكونهم جميعاً يتشابهون بصورة كبيرة فى صفاتهم، وخلصت النظرية إلى وجود عشرات الصفات، التى تميّز المجرم من خلالها، وتتمثل فى الوجه عميق التجاويف، والذقن الصغيرة، والأذرع الطويلة، والأذن الكبيرة والرأس والجبهة الصغيرة، كما تشمل البثور على الوجه، وتجعيدات الشعر.
برغم أن النظرية (اللومبروزوية) عفا عليه الزمن واندثرت، إلا أن صديقي أعاد إحياءها من جديد، وبعث فيها الروح ومن على شاكلته.
أراني متسائلاً ببلاهة لا أحسد عليها: ما الذي يجعل المجرم مداناً عندما يرتكب فعلاً يتعدى به على حقوق الآخرين، ولا ينطبق الوصف نفسه عندما يكون الفعل من (سياسي) تعدَّى على حق الوطن؟؟
ما الذي يجعل السياسي مزهواً بمنصبه ومكانته وامتيازاته، في وطن مقعد بسببه؟؟
ما الذي قدموه لهذا البلد المنكوب حتى نمايزهم عن الناس؟
أما آن لهم أن يخجلوا؟
(65) عاماً هي الوجوه نفسها، والممارسات ذاتها، ولم ينتفع بهم الوطن في شيء، بل آذوه ومرَّقوه في التراب، وجعلونا في ذيل الأمم نكابد اللقمة. أيّ إجرام يشابه ذلك؟ ألا يستحق العقاب؟
أستغرب استمرار حالات قفل الشوارع بطولها وعرضها، لمقدم موكب سعادة الوزير من قصره إلى بلاط وزارته… ليعطل مصالح آلاف الناس في سبيل وصوله الميمون بلا ظفر، بشكل راتب ويومي.. في سبيل ماذا؟
ولماذا يصل مبكراً في الأصل، وهو لا يزيد الناس بعمله إلا ضنوكة.
لو كنت أملك من الأمر شيئاً لهيّأت الطرقات والوسائل لوصول العمال أولاً قبل الوزير الذي لا رجاء من وصوله، ولجعلت راتب الوزير في قعر سلم الرواتب، فكلٌّ حسب حصيلته للوطن.
نعلم أن المجرم يؤذي بفعله المباشر فرداً من المجتمع، أما إجرام السياسي فيؤذي المجتمع برمته.
لا بدّ من تفعيل قانون يحمي الوطن من هؤلاء، وبنصوص رادعة، وواصفة بدقة لأفعالهم، وعقوبات صارمة لممارساتهم البغيضة.
كيف لنا أن نتقدم شبراً، إذا كنا نعطي (الفريق أول) في القوات النظامية كامل رواتبه ومخصصاته وامتيازاته بعد المعاش، وفوق كل ذلك استحقاقات نهاية خدمة، ولا نبذل ذلك للأستاذ الجامعي.. أيهما أحق؟
الأَولى الاهتمام بالعلماء بعد المعاش، وتهيئة الظروف المواتية لهم لإهداء البشرية نبراساً يضيء لنا ظلامنا الحالك. فالتقاعد بالنسبة لهم اكتمال التجربة، والانتقال من حياة العامل إلى حياة المفكر، ومن حياة المتلقي إلى حياة المنظِّر.
فهي أنفع وأبقى.
نسير في الركاب بلا وعي لقواعد وضعها الإنجليز لنا قبل خمسة وستين عاماً ليميزوا بها أنفسهم، فإذا بنا نمتطيها بلذة لا تقاوم، ولا نمحص عدليتها.
سمعنا أن عالماً أهدى البشرية جمعاء، بعد المعاش، علماً ينتفع به، أو اختراعاً غيّر مجرى التاريخ.. ولم نسمع بـ (نظامي) اخترع بندقية من طين بعد المعاش؟
لماذا لا نضع شروطاً لهذه الاستحقاقات لعموم أهل السودان بلا تخصيص.. والمربط فيها يكون للنجاعة والعائدة للوطن؟
كأن يكون المستهدف بالتمييز قد عمل كل سنوات بذله داخل السودان..
وأن يكون قدَّم عملاً ملموساً أفاد به الوطن.
كفانا مدعين بالهيئات، لا يقدمون شيئاً ويحوزون كل التقدير والثناء بلا نفع يقدمونه.
أعرف بعض الأطباء ابتعثتهم الدولة بحرِّ مالها للدراسة خارج السودان، ثم آثروا بخطيئة أن يعملوا هناك ولم يعودوا بعد اكتمال دراستهم للوطن الذي صرف عليهم الغالي والنفيس من أجل تعليمهم، ثم عادوا بعد أن بلغ العمر عتياً، ليعملوا بالتفاف تحت غطاء القوات النظامية وأعطوا الرتب، مكافأة لهم بلا بذل. مع أن فعلهم يفترض أن يمثِّل خيانة عظمى للدولة التي لم يؤدوا حقها.
وهناك التجربة المريرة التي أهدتنا إليها حكومة الإنقاذ، فانتشرت كالنار في الهشيم، فهي أغشم وأظلم، فتوزعت الرتب والرواتب، متسربة من خارج منظومة القوات النظامية وقواعدها الصارمة، فما عليك سوى اختيار الرتبة وتوفير مقاسات البدلة الميري.. ولن يستغرق منحها سوى الوقت المتاح للخياط لاكتمال عمل الكسوة.
هناك عشرات العلماء زاحهم النغِلين، فجفل من جفل وزاغ من احترم نفسه وعلمه.. فآثروا القبوع في ذواتهم، وتركوا الساحة للمزاحمين بلا نفع.
قال غوستاف لوبون في كتابه روح السياسة: (انحصر شأن زعمائنا الآن في حماية العجز وقلة النظام ومطاردة صفوة الناس مطاردة عمياء، والسعي وراء المساواة في البؤس وضنك العيش، والاستيلاء على الثروات التي هي عماد العمل وإيقاد نار الحسد والشهوات في القلوب).
نريد أن نكفي هذا البلد من المتباهين بلا عطاء… والمتفاخرين بلا نسب… والأخَّاذين بلا رِفد.
نحتاج إلى عدل يقيم الوطن ويقوِّم الناس..
.. إلى رجال باذلين بحق، وأن نعيد تقييم الأفعال ومدى بعدها أو قربها من الصلاح.
لا بدّ من وصف الأشياء بمسمياتها، ووضع الناس مقاماتهم بلا تجسيم أو تحجيم.
فيميّز العاطي للوطن، ونلفظ المتسلقين كـ(اللبلاب).
إذا أردنا لهذا الوطن أن يتنفس من جديد وتعود إليه الحياة، فلنقدم مصلحة الوطن على الأنانية وحب الذات، فإذا وجد هذا المبدأ في النفوس نجا الوطن وتقدم وازدهر، فلنحرص على بنائه بدلاً من بناء القصور والدور، وتبديد مقدراته بتأمين مستقبل أفراد بعينهم مقابل نهب ثرواته.
فالقصر لك.. لكن الوطن لك وللأجيال القادمة.
فالوطن يريد من هؤلاء الالتزام والعمل الجاد، وأن يساهموا في عملية الخلق والإبداع والتطوير لنهضة البلاد بأن يعملوا من أجلها بجدٍّ وبإخلاص متفانٍ وإيجابية، وأن يحيطوه بالحب، فلقد أغدق عليهم من خيره الكثير، وأعطاهم دون حساب، ورعاهم خير رعاية، وشملهم باهتمامه.
حب الوطن ليس كلمات نرددها على ألسنتنا، بل هو عمل دؤوب من أجله.
كونوا كرماء ولو مرة..
أعطوه… وتغافلوا عن الأخذ.. كفاكم.
فالوطن يستحق.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *