د. خالد مصطفى

د. خالد مصطفى إسماعيل

كاتب صحفي

• في خضم الإحباطات التي يعيشها الشعب السوداني نتيجة للحروب المتكررة في السودان، والتي بدأت قبل استقلال السودان في الجنوب عام  ١٩٥٥م، مروراً بجبال النوبة والنيل الأزرق ثم الشرق ثم  دارفور، لتتوج مسيرتها في حرب الخرطوم ووسط السودان في أبريل ٢٠٢٣م. 

هذه الرحلة الطويلة من الحروب ولّدت إحباطات لدى البعض بأن ليس هناك أمل ، وأن لا ثقة حاضراً ولا مستقبلاً في حياة كريمة. 

ولكن الذي ينظر بعين فاحصة يرى غير ذلك، يرى أن هذا الوضع غير طبيعي، والطبيعي أن يكون هناك سلام وتعايش وتقدّم وازدهار. 

لذلك نقول يجب أن نرى السودان كما يجب أن يكون عليه وليس كما هو  الان، يجب أن نراه بالوضع الطبيعي، وليس بالوضع المقلوب هذا. 

فصوت البندقية انحراف عن الحياة الطبيعية. 

والعنصرية انحراف عن الفطرة السوية. 

والكراهية انحراف عن الإنسانية. 

والنزوح والتشرد انحراف قسري عن الاستقرار.

والحرب بمجملها هي انحراف عن القدرة على التعايش والتفاهم وحلحلة المشكلات بالحسنى. هي أقصى لحظات الحمق الإنساني، حين لا يجد الإنسان إلا البندقية لحل مشكلاته، او حين يدفع الإنسان أخاه الإنسان لحملها. 

لذلك كل الأشياء غير الجميلة، وغير الحميدة،  والكريهة التي نراها الآن، يجب ألا ننظر إليها كواقع سيستمر، بل كحالة طارئة وعابرة، كشدّة وستزول، كزلزال عنيف يدمر ولكن لا يستمر، يجب أن ننظر هناك لا هنا،، ننظر إلى حيث الحياة الكريمة والطبيعية، إلى حيث الإنسان يحترم أخاه الإنسان ويقدر إنسانيته، ويستطيع أن يتفاهم معه بالحكمة والموعظة الحسنة، ويتحاور معه بالتي هي أحسن، إلى حيث التطور والتقدم والازدهار، إلى حيث الحب، إلى المكان الذي نطمح أن نصل إليه، وليس إلى القاع الذي نحن فيه الآن. فدائماً هناك أمل، وهناك ضوء في آخر النفق.

يجب أن ننهض، فالأمم العظيمة نهضت من ركام الحروب والدمار، يجب أن نستلهم  تجارب الشعوب الأخرى، أن نعرف أنفسنا جيداً، نتخلى عن سلبياتنا، ونعزّز إيجابياتنا، ونكبح أنانيتنا.

 يجب أن نثق في أنفسنا، وفي قدراتنا ومقدراتنا، أن نحترم بعضنا البعض. 

سبعون عاماً من الحروب (١٩٥٥ – ٢٠٢٥ م)، صحيح هي سنوات طويلة، ولكن سبعين عاماً من عمر الشعوب لا تساوي شيئاً كثيراً، فنحن شعب عمره في الحضارة والمدنية فقط سبعة آلاف سنة تقريباً، فلنعتبر هذه السبعين عاماً (سنين التيه)، لنزدهر بعدها ونستقر. 

يجب أن نعرف تاريخنا، فنحن أبناء آلاف السنين من الحضارة والمدنية، نحن أبناء كل الديانات، أبناء المسيحية، وأبناء الإسلام وكريم الديانات الأفريقية. 

الحياة المدنية تجري في دمائنا، وفي جيناتنا تكمن بذور الحضارة. 

نحن ورثة الحضارة النوبية العظيمة، حضارة كوش.

نحن أبناء الممالك المسيحية في نوباتيا والمقرة وعلوة. 

ونحن أبناء الممالك الإسلامية في الفونج والفور وتقلي. 

نحن أبناء الثورة المهدية التي يوم أن توحدنا طردنا المستعمر عنوة واقتداراً بأسلحة بدائية جداً، ولكن كانت عزيمتنا أقوى من الرصاص. 

نحن أبناء التسامح الممتد من المسيحية وحتى الإسلام. 

نحن أبناء الطرق الصوفية، دراويش نذكر الله حتى نجذب، نلبس المرقوعة، ونتوشح بالسبحة، نضرب النوبات ونرقص على أنغام المديح، مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم. 

(والما عندو محبة ما عندو الحبة،، والعندو محبة ما خلى الحبة). 

نحن من  بنينا أولى الحضارات الإنسانية القديمة، ونهلنا من كل الحضارات، من الحضارة الغربية الحديثة، ومن الحضارة الإسلامية، ومن الحضارة الرومانية.

 نحن في الهوية (أنا أفريقي أنا سوداني) 

و(عرب ممزوجة بي دم الزنوج الحار).

و(من عزم ترهاقا وإيمان العروبة، عرباً نحن حملناها ونوبة).

وفي آخر دراسة علمية قالوا نحن أصل البشرية، فكل البشر خرجوا من هنا. 

نحن الأهرامات والآثار، ونحن القبب وأضرحة الصالحين. 

نحن بعانخي وترهاقا وأماني، ونحن عمارة وجماع وتيراب وأم دبالو. 

نحن الكرم (بلادي أنا حتى الطير يجيها جعان، ومن أطراف تقيها شبع). 

نحن المعجبون بأنفسنا حد النرجسية:

 (ولو ما جيتَ من ذي ديل،، واا أسفاي، واا مأساتي واا ذلي،،

 تخيل كيف يكون الحال لو ما كنت سوداني وأهل الحارة ما أهلي). 

و (قسم بالله زولاً ما منكم انتو،، ندمان في حياتو ندم.. 

قسم بالله زولاً ما منكم انتو،، مقطوع فيهو أي عشم). 

و(نحنا الفاس ونحنا الراس، ونحنا الدنيا شدناها وبنيناها، واسأل جدي ترهاقا).

نحن (رجل أفريقيا المريض) الذي ما أن تعافي تعافت كل أفريقيا. 

نحن أبناء السودان القديم، والسودان الجديد وما بينهما، فالسودان هو السودان، يجب أن تتوحد المفاهيم. 

نحن أبناء الثورات، الثورة المهدية، ثورة اللواء الأبيض ١٩٢٤م، ثورة أكتوبر ١٩٦٤م، ثورة أبريل ١٩٨٥م، وثورة ديسمبر ٢٠١٩ م، ملولون نكره الظلم ونعدل الميل. 

نحن نقطة التقاء أفريقيا وآسيا، ونقطة التقاء العرب و الأفارقة. تربطنا روابط بالشرق الأوسط، ونمتد عميقاً داخل أفريقيا، فنحن القلب بالنسبة لأفريقيا. وهذا الموقع المميز مصدر قوة وليس مصدر ضعف أو منقصة. 

نحن النيل (سليل الفراديس)، تجري روافده من الأعماق الأفريقية، ولا تلتقي إلا هنا، يكتمل النيل هنا، تلتقي كل روافده عندنا، وفي عاصمتنا الخرطوم، خرطوم الخضر حيث التقى الخضر  بنبي بني إسرائيل موسى عليه السلام،  ليعلمه من لدنه علماً، هنا تعلّم سيدنا موسى ما لم يكن يعلم، وهنا تلتقي روافد النيل القادمة من مرتفعات إثيوبيا  (النيل الأزرق وملحقاته) مع الروافد القادمة من يوغندا (النيل الأبيض وروافده)، يجتمعان هنا، ويتحدان هنا، يتعانقان هنا في شوق، ويتحدان سوياً ويكونان (نهر النيل العظيم)، ثم يتحركان معاً نحو  مصر (وبين مصر والسودان ما بينهما من تاريخ مشترك وحضارة وجيرة)، وحكاية (يابن النيل لم تأتِ من فراغ)، لتكتمل مسيرتهما عند البحر الأبيض المتوسط.. 

ماذا تريد أن تقول لنا الطبيعة بهذا؟! 

إذن النيل يربطنا بكل دول حوض النيل، وبذا نكون امتددنا عميقاً ناحية شرق أفريقيا، ووسط وجنوب أفريقيا. 

ونحن طريق مسلمي غرب أفريقيا نحو الحجاز، وبذلك نكون وطدنا علاقتنا بالغرب الأفريقي. 

نحن البحر الأحمر، الأخدود العظيم، وبذا نرتبط بدول ساحل البحر الأحمر في ضفتيه الشرقية والغربية. 

هكذا نحن، وهكذا يجب أن نكون.

إذن ناس بهذه الخصائص وهذا التاريخ، يفترض أن يمتلكوا القدرة على إدارة حوار فيما بينهم، والوصول إلى نتائج وحلول للانطلاق بسرعة نحو المستقبل والتطور، وحجز موقع يليق بهم بين شعوب العالم وبلدانه، هذا ما يجعلنا نتفاءل.. والسلام.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *