الناجي صالح

الناجي حسن صالح

رئيس التحرير

• في كل إشراق وصبيحة، نثبت للإنس والجن أنّنا نخلطُ بين مفهوم الوطن ومعلوم الحكومة، فنقدرهما بميزان واحد، ونقيسهما بذات الأدوات، رغم تباعدهما وفراقهما. وهذه بلوى وأزمة في حدّ ذاتها.

الحكومة هي إدارة سياسية وتنفيذية لفترة ما تستقطع من عمر الوطن، فلا حكومة خالدة لكنّ الوطن باقٍ.

الوطن هو التاريخ والجغرافيا، والتراب الذي يضمّ رفاتنا ورفات من سبقونا،، والتحميد الذي تركوه.

هو الفكر والموروث، والعادات والتقاليد بسماحتها وبهائها. حلوها ومرها.. لهذا من حقّ كل إنسان أن يبغض الحكومة أو يواليها، ولكن ليس بإمكان أحد أن يعاف الوطن.

وثالثة الأثافي، أنّ من يلت ما بينهما، يعتقد أنه ينتقم لنفسه ولجماعته من الحكومة، إذا أتلف وطنه. وكأنما الوطن مملوك حصرياً للحكومة وليس لنا جميعاً.

ما علاقة الحكومة بالبيت الذي أسكنه، أو الطريق الذي أسلكه؟

ما الاقتران الذي يصاحبها بالجامعة التي يتعلم فيها ابنك؟!

وما مدى الترابط بينها والمستشفى التي تتعالج فيها زوجة أحدهم؟!

تلك الأشياء جميعها التي ليست ملك من يديرها، وإنما ملك من يستخدمها… كيف لها أن تشتكي، وهي تتلقى الظلم مضاعفاً؟!

الحقيقة أننا ننتقم من أنفسنا بغباء متقد، لا شبيه لنا فيه. ثقافة الملكية العامة منتفية لدينا، حتى لنبدو أننا نعاني انفصاماً ما. وسنفقد بسببه كل مقوّمات البقاء وأساسيات الاستمرار. وذلك إن أضعناه، بسبب طفيلي هلقام، من سماسرة وصائدي صفقات، همهم انتفاخ كروشهم، وتورم أوداجهم، بدلاً من التعويل على المنتجين الحقيقيين الذين يساهمون في إنتاجنا المحلي، وزيادة الدخل القومي لرفاهية جمعية.. فلا سبيل لاستعادته.

إن خسرناه، بسبب (الأصنام) ما زالت هناك ويزورها الحجاج من كل صوب ليضعوا القرابين تحت أقدامها، ليتقربوا إليها زلفى وحُظوة.. فلا مناص من ضياعه.

إن فقدناه، جراء سياسيين «أرزقية» يهتفون فوق جثث الثائرين، بالنصر المبين فنغض الطرف عن مكافأة المخلصين، القابضين على الجمر، المكتوين بنار القضايا الكبرى، ونثيب اللاهثين وراء المناصب منذ أمد بلا بذل.. فلا مفر من قعوده في ذيل الأمم.

إن أهملناه، واهتممنا بترتيب بيوتنا ونظافتها، ثمّ نرمي فضلاتنا كيفما اتفق في أي ركن كان خارجها،

سنظل ساقطين… إن لم نحزن لحال الشارع (الوطن) كحزننا على ذواتنا ومحيطنا الضيّق.

إن اختلطت علينا أولوياتنا، فبات راتب المعلم هو أدنى ما يكون في سلم إنفاق منظومة الدولة.. ومع ذلك يناط به تهيئة جيل من العقول الوطنية، تمسك بمقدرات المستقبل.. سنهوي أبداً إلى وادٍ سحيق.. ما لم نُعْلِ قيمة العلم والعلماء والبحث العلمي وصار في شعفة هرم همومنا، حكومة ومحكومين.

إن دمرناه، لأنّ الكثيرين عندنا لا يفرقون بين العمالة والمعارضة.. وليست هناك حدود واضحة لديهم تفصل بين الفعل الوطني والخيانة، فبشرى بالهلاك، إن لم نمايز بينهما عند الخصومة.

منّا القبيح والدميم، والبشع والشائن، والمشوّه والمسيخ، وغير ذلك، ومع ذلك لا نشتهي الجمال ولا نتشوقه.. وهذا لا يفسره إلا مدرار حسدنا وعمى بصيرتنا.

الدولة هي الكيان العام، الذي يشمل الشعب والأرض والسيادة.. وهي بذلك لا يُقبل في خاصرتها طعنٌ، ولا في ظهرها خيانة.

بينما الحكومة هي الآلية أو النظام الذي يدير شؤون الدولة وينفذ سياساتها. الدولة تكون ثابتة ودائمة، في حين أنّ الحكومة متغيّرة بناءً على تغييرات سياسية أو انتخابية. وهي بذلك جهد إنساني صرف يمكن أن يخطئ ويصيب، وهو قابل بطبيعة الحال للنقد والانتقاد.

لكننا قبل ذلك، نحن لسنا في حاجة إلى دولة الآن.. بل إلى كيس زبالة عملاق، يكفي لنضع فيه كل حماقاتنا الوفيرة، وبلاهاتنا الممتدة، وحسدنا الفياض.

وكل سوءاتنا التي تكشفت بفعل أول امتحان حقيقي للوطنية.

ثم أخيراً أن نضع مع (الصديري) شيئاً يستر (أسفلنا)، حتى تكتمل أناقتنا الجوفاء!!

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *