
سارة عبدالمنعم
كاتبة وروائية
تمتمت بها وصوت أبي يتقمصني. كان حديثه يزيدني افتخاراً بنون نسوتي، ويزيد حبي لمن خلقني من ضلعٍ أعوجٍ وكرمني وأكرمني. ببساطة لغته كان حديثه هكذا :
«كرمكن الله وبغباء تطالبن بالمساواة؟!
وماهي المساواة؟ بتحبن الشقاوة بس» ..
قبل أن أشهر اسلحتي الدفاعية، تناولني بمنطقه البسيط :
«تقعدن في البيت وأبوك وأخوك يلتزموا بيك،
تعرسن الراجل يتكفل بيك، يموت أبوك تاخدي حقك، تطلقي ترجعي أهلك ويكفلوك، البطلقك ينفق عليك،
الراجل كان مات تاخدي (التُومُن). ودا كُلُّو خَلِّي، كمان في مال ولدك تاكلي،
ومن بيت بناتك تاكلي.
وخَلِّي دا كوم براهو ..
الرسول صلي الله عليه وسلم وصي عليكم،
(رفقا بالقوارير)، و(الجنة تحت اقدام الامهات) ..
يعنى أبوك، وأخوك، وزوجك، وولدك، ديل كلهم يشتغلو ويِكسِروا رقبتهم عشانكم؛
وتقولوا المساواة؟! مساواة في شنو كدى ورينى؟»
كأن لساني خذله المنطق وكدت أهامسه أني هُزمت لكن لا بد لي من إفتعال اعتراك، فهذا الرجل بقدر ما يأسرني منطقه وحديثه، ترفض حماقتي الاستسلام، رغم يقين يتملكني انه صائب.
و .. أخوض الحديث لحدث آخر .. (ناقصات عقل) و (كيدهن عظيم). كيف يتفق التضاد؟!
تبسَّم بنظرته التي أدرك بلمعانها شيئا من تعجب، وكثيرا من فرح يغمره لطفلة أمسه تحاوره اليوم بذات لسان التحري كما دائما يصفني.
«ياعزيزتى .. (ناقصة عقل)، لأن العاطفة تسيطر على أحكامكن، لذلك شهادة المرأة لاتجوز فردية، فربما تسول لها عاطفتها التضامن في كل واقعة بشكل مختلف، حسب قرب الشخص لنفسها، أو تأثير الحدث عليها. أما (كيدهن عظيم)، فنسبة الدهاء لديكن عالية، وتأثير المراة على الرجل لا يختلف عليه عاقلان، ووراء كل جريمة كانت امراة».
هنا بدأ هجومي يجد مدخله، لشعور غريزي التضامن لجنسي : «وراء كل جريمة امراة؟! ماذا تقول؟!». وحين لمحت نظراته التي تكاد تصرخ بي أن لا أتسرع، أو كما يطالبنى دائما أن لا أستنكر فعلا قبل معرفة سببه، ووضع نفسي بمحل فاعله، أخرجتني ضحكاته وصوته يردد : «قلتها قبل قليل. العاطفة تسيطر على أفكاركن».
كان جليا لديه أن استنكاري نابع من تضامن غريزي لقبيلة نون نسوتى».
«سرق رجل، من أجل من؟ زوجه. عاشقه. ابنة. أم.
زنا رجل، بمن؟
عاقر الخمر، لماذا؟
قتل رجلا، لماذا؟!» ..
ضحكت هنا وصوت سخريتى يردد : «إذن!
أغفر لوقاحتي، لكنكم، معشر رجال، ضعفاء تفعلون الذنب من أجل واحدة منا!» ..
ألجم ابتسامتي بهزيمة استهجان حواري : «ياغبية! (اظفر بذات الدين)، و(الأم مدرسة) .. هنا يتجلي عظمة المرأة، هذه التي تعين زوجها، وتبر والديها، وتحترم إخوتها، وتنجب من يفيد نفسه وبلاده. هذه هي من تدخلنا الجنة إن كانت بنتاً، وإن كانت أماً.
هذه هي مفخرة أبيها، وداعمة زوجها، ومنشئة رجل الغد. انظري جيدا بعاطفة المرأة تؤثر على الرجل، بغض النظر عن صلته، وبدهائها تأخذه لأقصي الخير، أو ضده.
كيد الشيطان ضعيف مقارنة بكيدكن».
ضحكت حين همست له : «أمي .. كيدها عظيم؟!»
ضحك بصوت عالي القهقهة : «عظيم جدا إن تملكتها الغيرة».
غامزته كتنبيه لوقوفها خلفه؛ داعب ابتسامتها بعشق كمن يحمله لطفلته : «ظفرت بها، ولله الحمد، ووراء كل رجل عظيم إمراة».
همست له : «لا شك إنها امراة عظيمة».
حاول الإمساك بي قبل أن تهزمه خطوات هروبي ..
«دائما تدعمن بعضكن بتلك العاطفة والغريزة» ..
هكذا أتاني صوته، وكنت حينها أردد: «ولماذا نطالب بالمساواة ونحن المكرمات».
شارك المقال