
الأدب العربي قديمه وحديثه مليءٌ بالقصص والحكايات، نحتاج إلى قراءتها بين الحين والآخر، فهي محتشدة بالحكم والمواعظ والأمثال، كما أَنَّها لا تخلو من طرائف. وهذه باقة منوعة منها.
أحلام سعيدة
جاء لابن سيرين رجلٌ ليفسر له حلماً، فقال له: «قد خطبت امرأة، وقد رأيتها في المنام سوداء وقصيرة».
فقال له ابن سيرين: «اذهب إليها فتزوجها، فإنّ سوادها (مالُها)، وقصرها (قِصر) عمرها».
فتزوجها الرجل وما لبثت أن ماتت، فورث منها مالاً عظيماً.
معمرٌ في مجلس معاوية
وفد رجلٌ من جرهم على أمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، وكان الرجلُ من المعمرينّ، فقال له معاوية: ممن الرجل؟
قال: من جرهم.
فقال معاوية: وهل بقي من جرهم باقٍ؟!
قال: بقيتُ ولو لم أبقَ لم ترني.
فقال له معاوية: صف لي الدنيا وأوجز.
قال: نعم سنيات رخاء وسنيات بلاء، يولد مولود ويهلك هالك، ولولا المولود لبادَ الخلق، ولولا الهالك لضاقت الأرض بأهلها، ثمَّ أنشأ يقول:
وما الدهر إلا صدر يوم وليلة.. ويولد مولود ويفقد فاقد
وساعٍ لرزق ليس يدرك رزقه.. ومُهدى إليه رزقه وهو قاعد.
دهاء أعرابي
جاء أعرابيٌّ ليتوضأ، فخلع جلبابه وعلّقه، فقام أحدهم إلى الجلباب ورسم عليه وجه حمار..
فلمَّا عاد الأعرابي لجلبابه ووجد الرسم، قال: من ذا الذي مسح وجهه بعباءتي؟
يقول الراوي إنّ أحدهم كان يتمضمض فخرج الماء من أذنيه لشدة الضحك!
قالتِ العرب: «أبطأ مِن فِند»
(فِند) هو خادم أو مولى عند عائشة بنت سعد بن أبي وقّاص – رضي الله عنهما- وكان لا يكلّف بعمل وينجزه في موعده أبداً، ومن أعجب ما حكي عنه، أنّ مولاته عائشة أرسلته ليأتي بنار تشعل بها الموقد، فخرج (فـند) ورأى قافلة تسير إلى مصر، فسار معها وبقي في مصرَ عاماً كاملاً ثمّ عاد إلى الحجاز، وتذكّر طلب سيّدته فأسرع وحمل إناءً به جمرات مشتعلة، وأخذ يجري اتّجاه دار عائشة، فعثرت قدمُه في حجر وسقط وتبدّد الجمر الذي يحمله، فقال بصوت حزين: تعِـست العجلة.
أضغاثُ أحلامٍ
دخل أعرابي على الخليفة المأمون، وأنشأ يقول:
رأيتُ في النومِ أنِّي مالكٌ فرساً
ولي وصيفٌ وفي كَفِّي دنانيرُ
فقال قومٌ لهمْ علمٌ ومعـرفةٌ
رأيتَ خيراً وللأحلامِ تفسيرُ
وقُصَّ رؤياكَ في قصر الأميرِ تجدْ تحقيقَ ذاك وللفأل التباشيــرُ
فقال المأمون:
(أضغاثُ أحلامٍ
وما نحنُ بتأويلِ الأحلامِ بعالمين).
أبو نواس والبخيل
زار أبو نواس رجلاً بخيلاً يُسمَى «أبو هند» في وقت الغداء، فتركه جائعاً دون أن يضيفه! من شدة بخله:
وجاع الشاعر أبو نواس ولكنَّ أبا هند لم يكترث لذلك، فأنشد أبو نواس قائلاً:
أبو هند نزلتُ عليه يوماً
فغداني برائحةِ الطعام
وقدَّم بيننا لحماً سميناً
أكلناه على طبقِ الكلام
فكان كمن سقى الظمآن ظلاً
وكنتُ كمن تغدى في المنام.
الطمعُ أولى بالدواء
كان أشعب (وهو رجل يضرب به المثل في الحرص والطمع)، يزور مراراً جارية في المدينة، ويتودد إليها، فسألته مرة أن يقرضها نصف درهم، فانقطع عنها، وكان إذا لقيها في الطريق سلك طريقاً آخر، فصنعت له نشوقاً (دواء على شكل مسحوق)، وأقبلت به إليه، فقال لها: ما هذا؟ قالت: نشوق عملته لك لهذا الفزع الذي بك.
فقال لها: اشربيه أنتِ للطمع الذي بك، فلو انقطع طمعك انقطع فزعي، وأنشأ يقول:
أخلِفي ما شئت وعدي *** وامنحيني كلّ صدّ
قد سلا بعدك قلبي *** فاعشقي من شئت بعدي
إنني آليتُ ألا أعشق *** من يعشق نقدي.
بلاغةُ قولٍ وردٌّه
مرَّ العماد الأصفهاني على القاضي الفاضل، وكان الأخير راكباً، فقال له:
(دام عُلا العماد)، ففطن العماد إلى القول أنه يُقرأ من اليمين إلى اليسار كما يقرأ من اليسار إلى اليمين، فأجابه العماد على الفور بعبارة أيضاً تُقرأ من اليمين إلى اليسار، ومن اليسار إلى اليمين، قائلاً:
(سر فلا كبا بك الفرس).
صنبور الحنفية
يسمّى الصنبور في مصر (الحنفية).
وأصل ذلك أنَّ الفقهاء في بادئ الأمر كانوا يحرِّمون الوضوء من الصنبور بسبب علة ما، حتى أباح فقهاء الحنفية الوضوء منه، فجرى على ألسن العامة وقتها اسم (صنبور الحنفية)، ثمّ أطلق عليه لاحقاً اسم الحنفية بدلاً من الصنبور.
حال الأمّة العربية
كتب الأديب السوري محمد الماغوط:
«الأمة العربية في واقع الحال لا تشبه إلا سيارة باص ريفية هرمة، طراز الأربعينات أو الخمسينات،
مخلخلة الدواليب.
مرقعة الإطارات.
متآكلة الطلاء.
مخلّعة الأبواب.
ممزقة المقاعد.
بلا مكابح أو إطار احتياطي، أو قطع غيار، وبلا مصابيح أمامية أو خلفية، وبدون لوحة،
والسائق بدون رخصة. وركابها يتكدَّسون فوق بعضهم البعض على المقاعد وبينها، وعلى السطح
والرفاريف، وعلى المؤخرة وغطاء المحرك، وهم يهزجون ويمرحون ويلوِّحون للمارة بحرارة، وهي تترنح بهم ذات اليمين وذات الشمال
على طريق جبلية وعرة بين الصخور الناتئة والوديان السحيقة نحو هاوية لا يعلم قرارها إلا الله.
ومع ذلك كُتِبَ على مقدمتها ومؤخرتها وعلى جميع جوانبها: عين الحسود فيها عود».
سر الطعم
سأل عباس محمود العقاد نساء سوريا: «ما سرُّ طعم الأرز في سوريا؟»، فأجبنه بقولهنَّ: نطبخه ب(مي زيادة).