قطاع الأسماك والاستزراع السمكي في السودان

153
fish01
Picture of إعداد: معتصم تاج السر

إعداد: معتصم تاج السر

عضو مؤسس لحركة السودان الأخضر

green sudan

• في كل نقطة ماء من النيل العظيم إلى سواحل بورتسودان تختبئ كنوز لا تُقدَّر بثمن. كنوز من الروعة والطعم والانتماء.

إنه قطاع الأسماك في السودان هذا المورد المنسي بين خيرات البلاد المتطلع إلى من يحنو عليه يقدّره ويمنحه فرصة أن يُحب كما يستحق. 

هو القطاع الذي يحمل في أعماقه قدرة مدهشة على الشفاء من الجوع، ومن الفقر ومن النسيان.

فقط إن آمنا به، وسمعنا نداء مياهه، وقرأنا رسائل الطبيعة الساكنة في خياشيم سمكة وفي موجة صغيرة تعانق الشاطئ.

ومن هذا الحنين الأخضر. تنبع رؤية حركة السودان الأخضر، لتنفض الغبار عن قطاع لو أُحسن استغلاله لملأ الأرض بالخير والناس بالرضا. 

رؤية تجمع بين الحب والحكمة، بين الحلم والعمل، بين جمال الماء ونبل الغاية.

الواقع الحالي لقطاع الأسماك في السودان

يمثل قطاع الأسماك في السودان أحد المصادر الهامة للأمن الغذائي والاقتصادي، خاصة مع توفر المياه العذبة والمالحة في أنحاء البلاد. 

يعتبر النيل، الذي يجري عبر قلب السودان، بالإضافة إلى شواطئ البحر الأحمر، من المصادر الرئيسة للثروة السمكية في البلاد. ومع ذلك، لا يزال القطاع يعاني من تحديات كبيرة تتعلق بالاستغلال غير المستدام، ضعف التكنولوجيا في الصيد، وغياب الاستراتيجيات الحديثة لتحسين الإنتاج.

رغم ذلك، تتمتع البلاد بموارد بحرية هائلة، سواء في البحيرات أو في البحر الأحمر، والتي تُعدّ ثروة غير مستغلة بالشكل الأمثل. 

ومع تزايد الحاجة إلى موارد غذائية مستدامة، تبقى الأسماك أحد الخيارات المثالية لتوفير البروتينات بأسعار مناسبة.

الاستزراع السمكي والمزارع السمكية

يُعد الاستزراع السمكي أحد الحلول الفعّالة لتحسين الإنتاج السمكي في السودان، خاصةً في ظل تزايد الطلب المحلي والدولي على الأسماك. 

يعتمد هذا النوع من الإنتاج على إنشاء مزارع سمكية في البحيرات والأنهار، وكذلك في المسطحات المائية الاصطناعية.

تتنوع الأسماك المُستزرعة في السودان بين الأنواع المحلية مثل «البلطي»، وأخرى مستوردة مثل «السلمون».

تعتبر المزارع السمكية من الحلول الواعدة في السودان، لأنها تسمح بالتحكم في بيئة نمو الأسماك، مما يضمن زيادة الإنتاج وتقليل الضغط على البيئة الطبيعية. 

كما أن هذه المزارع تساهم في تحسين مستويات الدخل للمجتمعات المحلية، خاصةً في المناطق الريفية التي تمتلك الموارد المائية المناسبة.

دور بحيرة سد مروي والبحيرات الأخرى لبقية السدود

تعتبر بحيرة سد مروي من أكبر بحيرات السودان وتعدّ مصدراً مهماً للاستزراع السمكي. 

يتدفق إليها العديد من الأنهار، مما يجعلها مكاناً غنياً بالموارد الطبيعية. 

تُعدّ هذه البحيرة مثالاً ممتازاً على كيفية استغلال المسطحات المائية الكبيرة في السودان للإنتاج السمكي.

أضف إلى ذلك أن البحيرات التي تَنتج عن السدود الأخرى مثل سد جبل أولياء وسد عطبرة، يمكن أن تشكل فرصاً كبيرة لتوسيع الاستزراع السمكي في السودان.

إن هذه البحيرات تقدم بيئة خصبة لزراعة كالأسماك وتسمح للمزارعين بتوسيع نشاطاتهم.

رؤية حركة السودان الأخضر لتطوير القطاع

وفقاً لمنهج «التغيير الإيجابي الإنسيابي الإبداعي الأخضر» الذي تتبناه حركة السودان الأخضر، تُعتبر الأسماك والاستزراع السمكي جزءاً مهماً من مشروع التنمية المستدامة في البلاد. 

تركز الرؤية على ضرورة الاستفادة القصوى من الموارد المائية المتاحة في السودان، وتطوير تكنولوجيا الصيد والاستزراع السمكي لتلبية الاحتياجات المحلية والدولية.

تشمل رؤية الحركة التوسع في استخدام الأساليب الحديثة في الصيد والاستزراع، مثل استخدام معدات الصيد المتطورة، وإنشاء مزارع سمكية موجهة نحو الاستدامة البيئية. 

كما تهدف الرؤية إلى تقليل التلوث المائي وتعزيز الممارسات البيئية التي تضمن بقاء وتكاثر الأسماك بشكل مستدام.

مبادرة حركة السودان الأخضر «لإنشاء جمعيات الصيد»

في إطار سعيها لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في قطاع الأسماك، تعمل حركة السودان الأخضر على إنشاء جمعيات الصيد في جميع المناطق البحرية والنهرية في السودان. 

تهدف هذه الجمعيات إلى توفير منصات للتعاون بين الصيادين، مما يسهل تبادل المعرفة والخبرات، ويزيد من فعالية الطرق الحديثة في الصيد.

كما تدعو الحركة إلى استخدام لنشات صيد آمنة ومتطورة، وسفن صيد حديثة في البحر الأحمر، لتوفير بيئة عمل آمنة للصيادين وزيادة الكفاءة الإنتاجية. 

من خلال هذه الجمعيات، يمكن للصيادين تحسين طرق العمل، والحصول على الدعم الفني والتقني، والمساهمة في تطوير صناعة الأسماك في السودان.

قطاع الأسماك وفق رؤية «أورجانيك سودان»

تعتبر رؤية «أورجانيك سودان» التي تتبناها حركة السودان الأخضر في التعامل مع قطاع الأسماك بمثابة دعوة نحو إنتاج سمكي مستدام وصديق للبيئة.

تهدف هذه الرؤية إلى تعزيز مفهوم الأغذية العضوية في قطاع الأسماك، بما يتماشى مع حركة التحول نحو أساليب إنتاج غذائي صحية، خالية من المواد الكيميائية الضارة، وتركز على الحفاظ على التنوع البيولوجي.

إنتاج الأسماك بشكل عضوي يفتح أمام السودان فرصاً كبيرة للوصول إلى أسواق عالمية تتزايد فيها الطلبات على المنتجات العضوية. 

من خلال هذه الرؤية، يمكن للسودان أن يصبح أحد اللاعبين الرئيسيين في سوق الأسماك العضوية، مما يحقق فوائده الاقتصادية والاجتماعية.

أنواع الأسماك في السودان

يتمتع السودان بتنوع هائل في أنواع الأسماك، مما يجعل قطاع الأسماك في البلاد غنيًا بالأنواع المتعددة التي يمكن الاستفادة منها في الاستزراع السمكي أو الصيد التقليدي. 

من أهم هذه الأنواع:

1. البلطي (Tilapia):

يُعتبر البلطي من أشهر الأسماك في السودان وأكثرها انتشارًا في المسطحات المائية العذبة، مثل نهر النيل والبحيرات. 

يتميز بقدرته على العيش في بيئات متنوعة، مما يجعله مناسبًا للاستزراع السمكي في مزارع الأسماك.

2. البوري (Mullet):

يُعرف البوري في السودان بكونه من الأسماك التجارية المهمة، ويتم صيده في البحر الأحمر وفي بعض الأنهار. 

يتميز بلحمه الطري وطعمه المميز، ويعدّ من الأسماك التي تُسهم في الاقتصاد المحلي.

3. القرموط (Catfish):

يُعد القرموط من الأسماك التي تنمو في المياه العذبة، وهو شائع في الأنهار والبحيرات. 

له طعم مميز ويمثل مصدراً غذائياً هاماً للمجتمعات الريفية.

4. السمك الشعري (Shad):

يُعتبر السمك الشعري من الأسماك التي تعيش في مياه النيل ويمثل جزءاً من التراث الغذائي السوداني.

يستخدم بكثرة في الطهي التقليدي ويمثل أحد المصادر الهامة للبروتين.

5. الجمبري (Shrimp):

يعيش الجمبري في المياه المالحة ويُصطاد في البحر الأحمر.

ويعتبر من الكائنات البحرية الهامة التي تتمتع بمذاق لذيذ وقيمة غذائية عالية.

كما يساهم في الدخل الاقتصادي خاصة في المناطق الساحلية.

6. السردين (Sardine):

يُعد السردين من الأسماك الصغيرة التي يتم صيدها في البحر الأحمر. 

وهو من الأسماك الغنية بالأحماض الدهنية أوميغا-3، ويعدّ مصدراً غذائياً مهمًا في النظام الغذائي السوداني.

7. الكنعد (Kingfish):

تُعتبر هذه السمكة من الأسماك الكبيرة في البحر الأحمر، وهي محط اهتمام في عمليات الصيد التجاري، ويُعتبر لحمها لذيذاً وذو قيمة غذائية عالية.

8. الزريعة (Tilapia Zillii):

أحد أنواع البلطي الذي يُصاد في الأنهار السودانية، يتميز بمقاومته للأمراض وظروف البيئة المتغيرة، ويُعد من الأنواع المناسبة للاستزراع السمكي.

9. الأسماك القاعية (Bottom Fish):

مثل أسماك الهامور والقرش، التي تُصاد في أعماق البحر الأحمر، وتُعتبر من الأنواع التجارية القيمة، ويتميز لحمها بثراء في الطعم.

الصناعات والمنتجات السمكية في السودان

يعد قطاع الصناعات السمكية في السودان من القطاعات الواعدة التي تحتاج إلى مزيد من الاهتمام والتطوير لتلبية احتياجات السوق المحلي والعالمي. 

يُعَدّ السمك من المواد الغذائية الغنية بالبروتينات والفيتامينات، ما يفتح المجال لتصنيع مجموعة متنوعة من المنتجات السمكية التي تلبي متطلبات الأسواق المختلفة.

1. التجفيف:

يعد تجفيف الأسماك من أكثر الطرق التقليدية المستخدمة في حفظ الأسماك في السودان. يتم تجفيف الأسماك بطريقة طبيعية تحت أشعة الشمس، ما يساعد في الحفاظ على قيمتها الغذائية لفترات طويلة. يُعتبر السمك المجفف منتجًا رئيسياً يُصدَّر إلى بعض الدول الإفريقية والعربية.

2. التعليب:

من الصناعات السمكية التي تُستخدم بشكل متزايد في السودان، ويشمل تعليب الأسماك بمختلف أنواعها مثل البلطي، البوري، والسردين. يساهم التعليب في تمديد صلاحية الأسماك ويسهل تداولها وتصديرها، ما يجعلها أحد المنتجات الغذائية الهامة في التجارة العالمية.

3. التجميد:

تُعدّ صناعة تجميد الأسماك من الصناعات الحديثة التي بدأت تنمو في السودان. 

يمكن تجميد الأسماك الطازجة في درجات حرارة منخفضة للحفاظ على جودتها لفترات طويلة، وتعتبر من أكثر المنتجات التي تُصدر إلى الأسواق العالمية.

4. الدقيق السمكي:

يُستخدم دقيق السمك في صناعة الأعلاف الحيوانية، حيث يتم طحن الأسماك أو أجزاء منها لتحويلها إلى دقيق غني بالبروتينات. 

ويعد هذا المنتج من أهم المواد التي تُستخدم في تربية الدواجن والمواشي، مما يعزز صناعة الأعلاف في السودان.

5. زيت السمك:

يعتبر زيت السمك أحد المنتجات المهمة التي يتم استخراجها من الأسماك الدهنية مثل السردين والتونة. 

يتمتع زيت السمك بفوائد صحية كبيرة، خاصة في تحسين وظائف القلب والدماغ. يمكن تصنيعه وتصديره إلى الأسواق العالمية، مما يعزز من القيمة الاقتصادية للقطاع السمكي.

6. المنتجات المعلبة:

تتضمن هذه المنتجات الأسماك المعلبة التي يتم تحضيرها بشكل جاهز للاستهلاك. 

تشمل أنواعاً مثل السمك المدخن، السمك المملح، والأسماك المعبأة في صلصات مختلفة. تعتبر هذه المنتجات أكثر استهلاكاً في الأسواق المحلية والعالمية.

7. الأسماك المدخنة والمملحة:

تتمتع الأسماك المدخنة والمملحة بشعبية كبيرة في العديد من المجتمعات السودانية. تستخدم هذه الأسماك كوجبات خفيفة أو إضافات للطعام، وتعتبر من أبرز المنتجات الشعبية التي تباع في الأسواق المحلية والعالمية.

تجفيف الأسماك لإنتاج «الفسيخ» في الدويم على النيل الأبيض

تُعتبر مدينة الدويم، الواقعة على ضفاف النيل الأبيض، من أشهر المناطق في السودان في إنتاج الفسيخ، وهو منتج سمكي مُجفف يتم تحضيره بطرق تقليدية. 

تشتهر هذه المدينة بتجارة الفسيخ الذي يُنتَج من خلال تجفيف الأسماك، مثل البلطي والبوري، تحت الشمس لفترات طويلة، ثم يتم تخزينه بشكل يُحسن من طعمه وقيمته الغذائية.

تجذب عملية تجفيف الأسماك لإنتاج الفسيخ العديد من الأسر والعائلات السودانية، خاصة في فصل الشتاء. 

وتعتبر هذه الصناعة مصدر دخل كبير للعديد من أهل المنطقة، إذ تساهم التجارة في الفسيخ في توفير فرص عمل وتعزيز الاقتصاد المحلي. يختلف الفسيخ في طعمه عن الأسماك المجففة الأخرى بفضل عمليات التمليح والتجفيف الخاصة التي تضفي عليه نكهة مميزة.

تحظى الدويم بسمعة واسعة في سوق الفسيخ السوداني، حيث يُصَدَّر إلى العديد من الولايات السودانية، وكذلك إلى بعض الدول المجاورة. ولقد أصبح الفسيخ جزءاً أساسياً من المائدة السودانية في العديد من المناسبات والأعياد، وهو يُعتبر من الأطعمة المفضلة لدى الكثيرين.

الوعد والمُنى

لقد وضع السودان أمامه فرصة عظيمة لتطوير قطاع الأسماك والاستزراع السمكي وفق رؤية متكاملة، تحمل في طياتها النجاح والاستدامة. 

من خلال الابتكار والتكنولوجيا الحديثة، يمكن للقطاع أن يصبح واحدًا من الأعمدة الأساسية للاقتصاد الوطني، والمساهمة في تحقيق الأمن الغذائي. 

ومن خلال التعاون بين القطاعين العام والخاص، وزيادة الاهتمام بالتدريب والتعليم، يمكن للسودان أن يتصدر قائمة الدول المنتجة للأسماك في المنطقة.

يأتي التحدي الحقيقي في كيفية تحويل هذه الرؤية إلى واقع مُزدهر، مع التأكيد على أهمية الحفاظ على البيئة والمصادر الطبيعية.

وفي نهاية المطاف، يظل الوعد قائماً بأن تكون الأسماك في السودان أكثر من مجرد طعام… بل جزءاً من ثقافة، من اقتصاد، ومن هوية متجددة تعكس قيمة الحياة في كل قطرة ماء.

 

شارك الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *