قصة قصيرة: السندريلا

134
رؤى حسن

بقلم: رؤى حسن

 

• في حكايتي صفحات خالية لم تزُرْها الأصوات بعد .. وآذان لم يطرقها نداء النهايات الحزينة. وبعض ساعات خاوية، لم توضع في حسبان الزمان قط..! لأنك لم تكن مغروراً لتفسد نظرات العقارب الحانقة علىَّ بوسامتك التي تُصيبها بحُمَّى الدقات. لأنك لم تحمل قلماً ضخماً، ورسمت ضحكتك على كل الصفحات. لأنك في كل لحظة كنت حاضراً، ولم تسمح للآذان بتذوق طعم انتظار النداءات. لأنك لم تكن سِوى أول الأُحجيات وآخرها، وأنا السندريلا المنهمكة في صنع الفطائر، ريثما يعيد لي الأطفال حذائي، وينهمكون في ملء الصحون بريق لهفتهم، وهم ما زالوا، رغم كل ذلك، يحاولون القبض على السَّمكة التي رسمتها أنتَ في صفحة السماء، وتولت الشمس مهمة توزيعها على كل الصحون، وأوجه الملاعق، وعلى قلب تلك الطاولة التي صارت أشبه بمائدة الطفولة..!

في حكايتي رؤى مختلفة، بعضها لا يشبه الآخر، وآخرها يسعى لأن يُعيد مجراه إلى أوله. بعض من الرؤى تسكن في أطراف الغيم، قلب الثمار الشهيّة، وبداخل كف طفل متعرِّق من كثرة اللعب بقطرات الحياة. 

وبعضها لا يسكن، ولا يُعلم مكانه بعد، قالوا : (إن في الصفحات الخالية يكمنُ سر تلك الرؤى).. ونسوا حظاً مما قالوا، فتجمعت أطراف الغيم، وأمطرت أكف الصبية، ثم انتهى وقت العشاء، ونام كل من أرهقه عناء القبض على تلك السمكة. 

في حكايتي نهاية لن تُقَال. فبعد أن استمرأت الأحلام مكوثها فوق أسِرَّة الصغار، صار الكل يحلم بحذاءٍ، وسمكةٍ تحمله، وكانت هي فرصتي الذهبية لأن أسهر تحت صوت المطر، أعيد تكرار وصفة العَشَاء، ولون ذلك الحذاء .. حتى أني نسيتُ أمر الساعات الخاوية، وجيوب أحلامي التي صارت فارغة تماماً، أفرغتها كلها في أفواه الصغار.

لم أعد أشعرُ بأنها رؤى .. ولا حكاية. إنها فقط بعض خيوط من الأماني جعلتني كُرتَها، ووجدتني أمسك بقشتين، أُطرز بهما ثوباً من الرؤى المتوالدة لتستر عتمة هذا الكون.

ولم أجد للحكاياتِ عنواناً سواك .. فأقبل المساءُ بوجهه عليَّ، وأقبل النداءُ بصوتِه النديِّ، وأقبل البكاءُ يقتل نفسَه بنفسِه، يقتص من الدمعة بأخرى مثلها، حتى أصبح صدري يُصدر أنيناً ما لبث أن تحول إلى فراشة خضراءَ، وحمراءَ، وصفراءَ، تحمل بيدها ناياً، وبالأخرى مرآةً شفافة تغازل بها وجهك كلما عانقها الضوء بملامحك.

وقبل أن يكبر الصغار، وتصغر الأحلام بسهرهم المتوالي، توالدت أجنحة الفراشة، ومن كل جناح نبتت فراشتان، فصار التحليق يعني : جناح واحد يكفي لاثنتين، فاكتملت قصتي بالأجنحة، وطار الحذاءُ من فم السمكة يبحث عن جناحه الأيمن الذي لم يضممه إليه يوماً ما..!

إنني لا أجيد صُنع النهايات، ولا تؤثر فيَّ المشاهد المليئة بعبارات (الخاتمة). يمكنني أن أعبر إلى مئاتِ الرُّؤى والعوالمِ البعيدة على جناح إحدى الفراشات، وأعود بأجنحة جديدة تحملني لحكايا أخرى سعيدة، حتى أنام فوق خد زهرة حزينة، لترى في الصباح وجهها مليءٌ بالفرح، ثم أعرُج على نباتات الصبَّار أقلِّم أظافر وحشتها ببعض عناق وقبلات، ولن أمنع الفراشات من امتصاص رحيقنا. ثم تكتمل موائد الصغار بلون الأجنحة، وتظل السمكة هي الشاهد الأول على حكايتي .. وأنتَ نبات من الصبار لم أغشاه، ولم يعلمني بعد..؟

 

شارك القصة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *