قراءة لقصيدة (غدٌ أخضرُ في ضفاف العائلة) للأستاذ محمد نجيب محمد علي

1285
محمد نجيب
Picture of بقلم: الناجي صالح

بقلم: الناجي صالح

رئيس التحرير

• قصيدة “غدٌ أخضرُ في ضفاف العائلة” للأستاذ محمد نجيب محمد علي، هي قصيدة تحمل في طياتها أصداء المأساة الإنسانية التي يعيشها الشعب السوداني في ظل الحرب والنزوح. القصيدة ليست مجرد كلمات موزونة، بل هي عولة ألم، وتوق إلى الماضي الجميل، وأمل في غدٍ أربح. إنها مرثاة للوطن الذي كان، ونداء للسلام الذي يجب أن يؤوب.
من ناحية البناء الفني للنص، فإن العنوان يلخص جوهر القصيدة، فهو يشير إلى الوحدة والترابط الذي كان يميز الشعب السوداني قبل أن تخرمه الحرب. كلمة “عائلة” توحي بالدفء والأمان، وهي تتناقض بشكل صارخ مع الواقع الحالي الذي غشته الزراية.
القصيدة مليئة بالصور الشعرية القوية التي تعكس المأساة والأمل. مثل “حقل إنسان تآلف في نشيد”، “دوحة تثمر حباً وعطاء”، و”نهشوا منا الضياء”. هذه الصور تعكس الجمال الذي كان، والدمار الذي حلّ به.
والإيقاع في القصيدة يتناسب مع موضوعها، فهو يتراوح بين الهدوء الذي يعكس الحنين إلى الماضي بملاحته، والاضطراب الذي يعكس واقع الحال من الحرب والدمار والممارسات الدخيلة.
القصيدة تبدأ باستحضار الماضي المسكون بالجمال، حيث كانت العائلة مترابطة، والحياة مليئة بالحب والعطاء. الشاعر يستخدم صوراً طبيعية مثل “حقل إنسان” و”دوحة تثمر حباً” ليعكس هذا الألق الذي كان.
القصيدة تصور بشكل مؤثر الدمار الذي خلفته الحرب. الشاعر يستخدم كلمات قوية مثل “وحوش الجن”، “أحرقوا حلم الصبايا”، و”براكين المنايا” ليعكس الفظائع التي استحدثت في الذاكرة السودانية.
النص يعكس معاناة النازحين الذين اضطروا إلى ترك ديارهم والتوجه إلى أماكن مجهولة. الشاعر يستخدم صوراً مثل “متاهات الصحارى” و”أبواب المجاهيل” ليعكس حالة الضياع التي يعيشها النازحون.
رغم كل المأساة، القصيدة تحمل في طياتها أملاً في غدٍ أفضل. الشاعر يتحدث عن “غد أخضر” و”شمس التمام” التي ستشرق من جديد. هذه الصور تعكس الإيمان القوي والدامغ بإمكانية عودة السلام والاستقرار.
كما أن القصيدة تعكس الحالة النفسية للإنسان الذي يعيش في ظل الحرب. هناك حالة من الحزن العميق على ما فُقد، وخوف من المستقبل المجهول، ولكن في نفس الوقت هناك أمل وإصرار على النجاة. الشاعر يستحضر الذكريات الجميلة ليواجه بها واقع الاعتراب والتغرب القاسي.
وهي كذلك تعكس الواقع الاجتماعي للسودان، حيث كانت هناك وحدة وتآلف بين أفراد الشعب قبل أن تمزقهم الحرب. الشاعر يتحدث عن التنوع في السودان (عرب أفارقة هجين)، ويؤكد على أن هذا التنوع كان مصدر قوة وليس ضعف.
القصيدة يمكن أن تُقرأ أيضاً كرسالة سياسية، حيث تنتقد الحرب وتدعو إلى السلام. الشاعر يتساءل: من ترى أحرق أبواب المدينة؟! ما الذي أضرم نيران الضغينة؟!، وهي أسئلة تعكس البحث عن أسباب الحرب والرغبة في عودة المأمن للنفوس المطمئنة بطبعها، قبل دخول (الأشرار) إلى ساحات المدن.
“نحن كنا عائلة” هي قصيدة داوية ومؤثرة، تعكس مأساة الحرب في السودان، ولكنها في نفس الوقت تحمل أملاً في غدٍ أفضل. الشاعر يستخدم لغة شعرية غنية بالصور والإيقاعات ليعكس هذه المشاعر المتناقضة. القصيدة هي نداء للسلام، وحنين إلى الماضي، وأمل في المستقبل.
(غداً نعود إلى الحمامْ..
غداً ستصمت هذه الحرب الحرامْ.
وغداً سنستسقي لأحلام الحياة القاحلة).
هذه الكلمات تعكس الإيمان الراسخ بإمكانية عودة السلام، وأن الحرب لن تدوم إلى الأبد، لأن السودانيين بطبعهم مسالمون.
وهي تذكير أيضاً بأن الأمل يجب أن يبقى حياً، حتى في أحلك الأوقات.

 

(غدٌ أخضرُ في ضفاف العائلة)

نحنُ كُنَّا عائلة..

كانتِ الرُّوحُ تُنادينا لأشواقِ الحياةْ.

نحنُ كنَّا حقلَ إنسانٍ تآلفَ في نشيدٍ

بين إيقاعِ الرُّؤى والأمنياتْ.

نحنُ كنَّا دوحةً تُثمِرُ حُبَّاً وعطاءْ.

حين فاجأنا وحوشُ الجِنِّ

فى ذاك الصَّباحْ.

نهشُوا منَّا الضِّياء..

سلبوا النَّسمةَ في فجر الحكايا

أحرقوا حُلمَ الصَّبايا

أعمَلوا فينا براكينَ المنايا

فتداعى الخوفُ

من كلِّ الجهاتْ..

هرب الوعدُ الَّذي كنَّا نُناديهِ ليأتي

في أَصيصِ الأغنياتْ..

وتتداعى بيننا وَرَقُ العُمرِ على هُوجِ السِّلاح..

وانزوى الظِّلُّ بعيداً في الحَرُورِ

وتوارى في القُبُورِ

ثمَّ هِمْنا في متاهاتِ الصَّحارى

وهجرناها الدِّيارا..

وتكدَّسنا بأبوابِ المجاهيلِ الجديدة..

والعناوينِ الشَّريدةِ والطَّريدة..

وكوابيسٌ تُرافِقُنا وموتٌ وانفجار..

وصباحاتٌ تُبدِّدها الرَّصَاصاتُ ويَصلُبُها الدَّمار.

مَن تُرى أحرقَ أبوابَ المدينة؟!

ما الَّذي أضرمَ نيرانَ الضَّغينة؟!

كان ظلُّك شاسعاً

كان نسَّاماً ظليلاً يا وطن..

نحنُ كنَّا أُمَّةً نحيا وتَحرُسُنا المَحبَّةُ

في ضفافِ النِّيلِ حُضناً 

مثلَما في النَّارِ تَجمَعُنا المِحَن.

عربٌ أفارقةٌ هجينٌ في بداوَتِنا

ومِن كلِّ السِّحَن.

نحنُ أعراسُ حُقُولٍ وسُهُولٍ وجبالْ..

نحنُ من نيلِ الحياةِ،

ومن ضفافِ الخُلدِ تَعلُوها تلالٌ

أو فتَجلُوها رمالْ.

نحنُ كُنَّا عائلة..

فمتى نعودُ جميعُنا للابتسام

متى ستُشرِقُ بيننا شمسُ التَّمام

متى تُعانقُنا البلادُ الهائلة!

غداً نَعودُ إلى الحمامْ..

غداً ستصمُتُ هذه الحربُ الحرامْ. 

وغداً سنستسقي لأحلام الحياةَ القاحلة.

 

شارك القراءة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *