قراءة في رواية (لا ماء يرويها).. للروائية السورية د. نجاة عبدالصمد (1-2)
Admin 3 مايو، 2025 152
بقلم: زينب خوجة
كوردية من مدينة عامودا في سوريا - مدرسة مساعدة «لغة فرنسية»
• لا ماء يرويها،حيث مشهد هرس الزجاج لكتم صوت طبيعية الذنب، وأحقية الانسان في ارتكابه، والاعتراف بما يعنيه أن الخالق وحده منوط بالافتاء في أمر الأنثى التي خلقت من ضلع الرجل، وليس من تحت أقدامه، المرأة التي لا تفلح في كثير من المرات في النجاة من مصيرها المعتاد « الموت على شرف نخب الذكورة ، ليفيض قلم نجاة عبد الصمد بسرد جزئية واسعة للخيبة التي تعتري شخصية حيوات كثيرة اختصرتها في ملامح امرأة باسم حياة،حياة الطفلة التي سكبت ملح الصمت والتأمل والفهم العميق لمعاناتها التي ليست سوى انعكاس لواقع مفروض في غرفة واست احتضارها على مرأى منها فقط ،وهي تتأمل سقوط القدوات التي كان من شأنها أن تنتشلها من ضياع لم يكن لها يد فيه وتمسك بأصابعها الرقيقة لتجتاز برّاً ينبغي أن يكون سهلاً خصباً لنموها الذي يجب ، أب لم تردعه صفة الأبوة أن يكون أهلاً للدور الذي عليه أن يكونه، والأم التي فقدت شغف الرفض بعدما فشلت في أن تكون أنثى حقيقية في حضن من اختارته ذات زمن، فراحت تلعب دوراً لا يليق بأمومتها التي تحتم عليها أن تكون ملاذاً للقوارير التي جارت عليها الأعراف المجتمعية والتقاليد، ويد الذكورة الممتد إلى خناق الأعناق، يا إلهي والكاتبة نجاة تصف غبار ماض لايزال يتجوّل في ذاكرة الفرض والرفض المشتركان في حروف ثلاثة. ذاكرة الغبار الذي لا يتبدد بمطر وحنين ،وهي تدق براغي التفاصيل إصبعاً مزّق بكارة الحياة بسهولة مااستساغه زوج لا يتوانى عن إدخال إصبعه في حفرتي منخاره والنوم مبطوناً ،يزفر شخيراً،بعد أن يراود أنثاه حياة من دبر وهو يصعق خوفها وفقدانها السند ويعلمها الاعتياد وأن يكون هتك عرضها رغم أنها « حلاله « أن تطلب وتتمنى، تتمنى؟ يالها من كلمة تعني الكثير لمن لم يقرأن حياة! أليس جميلاً أن تطلب الضحية مقابل ليلة حمراء بضع حاجات؟ ربما كان هذا الزوج يؤمن بهذه الصفقة بكل صفاقة بل ويمنن زوجه على كل هذا الكرم. لا أدري لما أسهب بكل هذا! ولكن الرواية تخلق للقارئ أزمة ،أزمة أن يكتب رواية عن الرواية ولكن دون أن تنتهي كلماته ،القارئ الذي لم يتعرف على مدينة حياة إلاّ هنا رغم أنه كان هناك! نعم ففي داخل حدود الوطن حدود بل في داخل حدود المدينة حدود، في داخل كل بيت حدود ،كأن تكون حدود النساء ماوراء باب الشارع وطبعاً المغلق وليس الموارب ،كأن تكون حدود البنت غرفة مركونة في إحدى الزوايا تعمل فيها بصمت وهي مصادرة الحق والحديث لا أقول لا أذن تسمع ولا عين ترى إنّما هي تعيش رفاهية أن تسمع وترى بشرط
أن تخرس رغم أنّها تملك صوتها لكنها رويداً رويداً تفقده. ربما تلوذ بحياكة قميص ودثار
،ربما تمسك قلماً وريشة وتبدأ برسم ما لن يراه أحد بل ولا يجوز أن يراه أحد ،مشهد أن تكون البنت ملاذ أمها فتبيع ماتحيكه يدا حياة لجاراتها لتكسب قروشاً تعينها على عدم إهدار ماء وجهها وهي تطلب من زوجها حق رغيف خبز سيقول أنه قد وفره لها ولأطفالها أو حق احتياجات خاصة هو لايعرف ولايريد أن يعرف بوجودها أصلاً. فهو لايرى من البيت الذي كثرت إناثه سوى ابنه ،عكازته وسنده الذي سيقصم ظهره ذات يوم،ربما يجدر بي أن أتوقف فالكتابة عن المعاناة معاناة
ولكن حياة هي نحن في جسد آخر تتنفسنا عند كل اغتصاب،عند كل حنين ،عند كل خسارة،وهي تعاني الفقد مراراً ، تفقد حبيبها،بمحض فرض مرة ومحض إرادة مفروضة مرة أخرى تفقد أختها، زميلها الذي أنهت حياته سكين التسكع الملطخ بحياته التي لم يعشها إلا ألماً، تفقد صديقتها التي كتب في تقرير الطبيب أنها ماتت بسبب حادثة وقوع
هي التي لفظت أنفاسها لأن شرف العائلة المدنس ارتأى أن يتطهر بكتم أنفاسها،
أتدرون ماهو الفقد؟ هو ذاته على شاكلة أن تغادر مدينتك ولايسمح لك للعودة إليها إلا في كفن أو بمعجزة وبعض المعجزات عجز،أو أن يرميك ابنك وراء باب البيت ،في الشارع تماماً متواطئاً مع أحكام الأب وأحكام المدينة واحكام العرف والشرع والعادة والتقليد وأحكام حياة ليست لحياة ومثيلاتها. حياة خلقت بسمائها وأرضها وسهلها ومنخفضها وشجرها وجبلها وبحرها وصحرائها للذكر ليس فقط ليكون له حق الانثيين بل ليكون له الحق كل الحق في كل شيء سوى أن يمتلك فرصة وحق أن يكون ولو لساعة أنثى ليتبرئ من نفسه وهو يتذوق العهر الذي هو فيه.
حياة التي رغم أنف كل شيء اختارت أن تظل جارة ذاك العاق وذات العوائق على أن تكون مع حبيبها ناصر الذي أهدى لها ورقة خلاصها، طلاقها من خليل زوجها السكير ومذمات أخرى تليق به تماماً ثوباً لا يستطيع نزعه ،كما أهدى لها ناصر أيضاً عمراً إضافياً من سمعة ستظل مرافقة لها إلى مابعد موتها ،بوصمة خائنة ٠وهي تغادر الرواية دون أن تغادرنا الرواية بوقع كلماتها الرصينة التي حركت فينا مالن يتوقف أبداً
فأسلوب الكاتبة الأدبي كان يشبه نكهة زعتر بري وأشجار الزينة في مدينتها
والكثير من الورد والرمان والنارنج والعنب والتفاح في ذاكرتها ،وأنين الأشياء نعم للأشياء أنين،
للصمت أنين،
للدم الذي يباح أنين ،فقط ليكون لنا موطئ قدم كما قالت أم حياة
لزين المحضر كان ثمة أنين تحوّل إلى مارد فك لغز شتائم حياة عند الولادة
زين المحضر التي أتاحت لحياة وناصر أن يجتمعا بعد اغتراب السنين
وشيخوختها،اللقاء الذي جعلهما يفترقان للمرة الألف والأخيرة
كما تشتهيه النهايات الآتية من كل شيء ،القادمة من اللاشيء
تفاصيل المدينة ،تفاصيل الطقوس الدينيةلتلك المدينة التي شهدت الصراعات والفقر والتهميش والخصوصية وكانت شاهدة على مايجري في الجوار القريب والبعيد حيث لبنان وفلسطين والقضايا الشائكة التي لاتزال على حالها مع اختلاف في الشخصيات التي تتزعم المشهد ،
تفاصيل الحرب والسياسة،
المدرسة ،الطالبات، الابن الذي كذب وتولى وهدم آخر أركان انتظار الأب الذي لم يفلح أن يتباهى بالمهندس الذي هندس للفرار وترك الغول خليل يساوم الأب المثقل بالديون وبعجزه وهو يسعى ليبني لابنه عش الزوجية ،فمضى إلى حتفه تاركاً وراءه كل الفوضى في المشاعر وفي حواس التأمل المربك لنسوة البيت ،اللواتي شهدن الموت عميقاً ومكرراً مع اختلاف أمور كثيرة بين موت وموت، وحرية وحرية، فكما خيمة عن خيمة تختلف فثمة موت عن موت ،كما حياة عن حياة ،ثمة أم عن أم تختلف ، حب عن حب يختلف ،انتظار عن انتظار يختلف ،فلا ماء يروي عطش التفاصيل ولا حبر يترجم وجع البياض، بعدما فض بكارته بأحاديث من ورق ..
– (تمت كتابة هذه القراءة في إطار ورشة (الماء…ذاكرة النساء) التي تنظمها مندي لثقافة السلام وإدارة التنوع).
شارك القراءة