فيصل محمد صالح في مؤانسة رمضانية .. عوض أحمد خليفة: تكتم عواطفك..ليه؟
Admin 8 مارس، 2025 25

فيصل محمد صالح
كاتب صحفي
لمع عدد من جنرالات الجيش والشرطة في السودان في مجال الشعر والغناء والموسيقى، عرفنا منهم الصاغ محمود أبوبكر شاعر «صه يا كنار» و«إيه يا مولاي إيه» و«زاهي في خدره ما تألم»، والشاعر الطاهر إبراهيم صاحب أغنيات إبراهيم عوض الخالدة .. «عزيز دنياي».. و«يا خاين».. و«حبيبي جنني»، الموسيقار موسى محمد إبراهيم، عازف البيكلو الأول في السودان، وموزع الملحمة، وملحن «الذكريات» للفنان عثمان مصطفى.. وآخرون كثر.
من بين هؤلاء خرج اللواء عوض أحمد خليفة، وهو حالة خاصة في الغناء السوداني، دفق متواصل من المشاعر الحارة لا يتوقف، يتقطر داخل الروح، وينثر إبداعه بين فنانين من مدارس مختلفة، يجيئك بأصوات ذات أبعاد متنوعة، عثمان حسين وكابلي وعركي وزيدان وإبراهيم عوض… الخ، لكن تظل النكهة واحدة ومميزة.
في قطار متحرك يشق به بلاد «اللندرة» بين إنجلترا واسكتلندا، يجلس وحيداً وحزيناً بعد أن بلغه نبأ اتخاذ حبيبته لمسار آخر، يبدأ يدندن بـ«عشرة الأيام».. ويصادف وجود عازف جيتار بريطاني، فيعطيه النغمات الأساسية، ثم تنطلق الكلمات..
«ليه فجأة دون أسباب
من غير عتاب أو لوم
خترت غيري صحاب
وأصبحت قاسي ظلوم
هان ليك غرامي خلاص
وأنا برضي حولك أحوم
كان عهدي بيك ترعاني
وأجمل صلاتنا تدوم
غايــة المحبّــة ســلام»
وصنع في رحلته تلك واحدة من أجمل الأغنيات السودانية.
كل مقطع في هذه الأغنية ينتهي بحكمة عاطفية، إن صح التعبير «أمل المحبة سلام.. عمر السنين أيام»، كما تمتلئ الأغنية بالأسئلة الحارقة والموجعة..«ليه فجأة دون أسباب..، وريني إيه ضراك.. لو كان صبرت شوية..، وين حسن ظنك بي..، … ولا ثمة إجابات… فقد انتهى كل شيء. هي أسئلة ليست للإجابة.. من الأصل، لكنها لتخفيف الحزن والشجن.
وللشاعر الجميل أبو آمنة حامد طرفة جميلة عن هذه الأغنية، فقد زار الجنرال أثناء صلاة العشاء، وتأخر عليه وهو يدعو ويقرأ أوراده، ثم اعتذر لأبو آمنة مبرراًِ أن العمر مضى والذنوب كثيرة، فرد أبو آمنة «يا جنرال إنت عشرة الأيام براها بتدخلك الجنة..».
عاش عوض أحمد خليفة قصة حب موحية، حكاها بطريقة مؤثرة في برنامج «تاريخ جميل»، الذي كان يعده ويقدمه الإذاعي البارع الشفيع عبد العزيز في إذاعتي المفضلة «إذاعة البيت السوداني- إف إم 100». سجل هذا البرنامج تاريخ عدد من الشعراء والفنانين بطريقة مؤانسة لطيفة وخفيفة ومريحة للضيوف، وهي طريقة برع فيها الشفيع الذي اختطفته بلاد نائية وقصية.
كانت عشرة الأيام نهاية مرحلة انتهت بالفراق الأبدي، لكن القلب لا يفتر، فيفتح صفحة جديدة.. ويغني له عثمان حسين مرة أخرى «خاطرك الغالي»..
«حيران ﺃﺳﺎﺋﻞ ﻧﻔﺴﻰ ﺇﻳﻪ ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺴﺒﺐ ﺃﺻﻞ ﺍﻟﺨﺼﺎﻡ، ﻳﻤﻜﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻰ ﺣﻘﻚ ﺇﺗﻠﻮﻣﺖ ﻓﻰ ﺳﺎﻋﺔ ﻣﻼﻡ، ﻟﻜﻦ ﺩﻩ ﻣﺎ ﻣﻌﻘﻮﻝ ﻳﻜﻮﻥ.. ﺃﻧﺎ قلبي ﻟﻴﻚ ﺣﻔﻆ ﺍﻟﻐﺮﺍﻡ، ﻣﺎ ﺃﻇﻦ ﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﺍﻟﻬﻮى ﻳﻌﺮﻑ ﻋﺪﺍﻭﺓ ﻣﻊ ﺍﻟﺴﻼﻡ»….
ثم يتسامى ويتحمل ويرجو خاطر الحبيب….
«لما ﻧﺎﺭ ﺍﻟﻐﻴﺮﺓ ﺗﻌﻤـﻲ
ﻗﻠﺒﻲ ﻋﻦ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴــﻘﺔ
أﻭ أﻗـﻮﻝ أﻧﺴﺎﻩ ﺣﺒﻚ
ﻭﺍﻛﺘﻢ أشـﻮﺍﻗﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴــﻘﺔ
ﺭﻏﻢ ﻋﻦ ﻧﻔﺴﻲ ﻭﻇﻨـﻮﻧﻲ
ﺗﺴﻤـﻮ ﻋﺎﻃﻔﺘﻲ ﺍﻟﺮﻗﻴﻘﺔ
أﻫﺪﻱ ﻟﻴﻚ ﺣﺒﻲ ﻭﺳﻼﻣﻲ
ﻛﻞ ﻟﺤـﻈﺔ ﻭﻛﻞ ﺩقيقة»
… أغنية خاطرك الغالي. كما غنى عثمان حسين ربيع الدنيا وصدقيني وشتات الماضي.
تنقل عوض أحمد خليفة بين أصوات متعددة في حديقة الغناء السوداني، فغنى له كابلي في وقت مبكر
«يا أغلى من عيني
وأحلى من ابتسامي
وأحن من المحنة
في رقة سلامي
يا أصدق مودة
عاشت في الضمير
تقاسمني المسرة
تملأ فؤادي نور
وأنسى معاك صعابي
يهون أمري العسير
وأقول ليك يا حبيبي
غيرك ما في غير»
وغنى له «كيف يهون.. عندك خصامي» و«ما نسيتنا وخليتنا».
وغنى للشاعر عوض أحمد خليفة الفنان الكبير عبد العزيز محمد داود، وشرحبيل أحمد، وزيدان إبراهيم «بالي مشغول، في بعدك ياغالي». وواحدة من أجمل قصائده «لو كنت ناكر للهوى» غناها أبو عركي البخيت..
«حاولت أخدع نفسي يا ظالم
وأجرُف حبي ليك
حاولت أمنع نفسي منك
وتاني ما أمشي وأجيك
ورحلت عنك وعن دياري
وهـدمت كُل أمل لديك
وبرضي ما قادر أسيبك
لما أنساك بشتهيك
مع كل دفقاتي الحنينة
وكل دمعة شوق سجينة
تهاتي بيك روحي الحزينة
وأشقى لما تهاتي بيك
وريني كيف أغفر
وانت اضعت كل آمالي فيك..»
رغم تنوع الفنانين الذين غنوا لعوض أحمد خليفة، إلا أنه يعتز كثيراً بتجربته مع الفنان عثمان حسين، فهو محب له ولصوته وطريقة أدائه، ويصرح بذلك كثيراً، لهذا منحه أجمل قصائده، وأشركه معه في تجربته العاطفية.
التقى عوض مع الفنان الكبير إبراهيم عوض في أغنية يتيمة لحنها ود الحاوي هي «غاية الآمال»، ورغم اختلاف أداء إبراهيم عوض عن الكابلي وعثمان حسين، إلا أن نفس عوض أحمد خليفة موجود ومحسوس في هذه الأغنية..
«يا غاية الآمال… لو دعاك الشوق، ما كان جفيتنا زمان… وانت الحنان والذوق، في عالم الأشواق.. لو مرة عشت معاي، وبلهفة العشاق.. حسيت معاني هواي، كان يا جميل حنيت، ورددت لحن غناي، وسقيتني كأس الريد.. وعادت ليالي هناي، وريني ليه بتخاف، تكتم عواطفك ليه..؟ وحبك مع الأيام.. من قلبي ليك بحكيه، تبخل علي بلقاك.. وعطفك دوام تخفيه…»
سلام على الشاعر عوض أحمد خليفة في العالمين.
شارك المادة