غرباء في قلب الخرطوم

50
لؤي إسماعيل مجذوب 2

لؤي إسماعيل مجذوب

ضابط سابق - باحث في شؤون الأمن الوطني والحرب النفسية

• لم يعد الحديث عن الوجود الأجنبي في السودان قضية عابرة أو تفصيلة أمنية صغيرة، بل صار عنوانًا خطيرًا لمأساة تتسع كل يوم، حتى بات بعض الغرباء يتجولون بيننا كأنهم أبناء الأرض، لا كضيوفٍ لجأوا إليها يومًا.

إنها الحقيقة التي نحاول أن نغضّ الطرف عنها منذ سنوات، فاستفحلت حتى صار الدواء مؤلمًا كالداء نفسه.

في قلب العاصمة، وعلى أطرافها، وفي مدن السودان المختلفة، تمددت جاليات كاملة دخلت البلاد بطرق غير شرعية، واستقرت بلا ضوابط، ثم بدأت تُمارس أدوارًا تتجاوز حدود “الإيواء الإنساني”.

لم يعودوا ضيوفًا، بل صار بعضهم جزءًا من منظومات الفوضى: يقاتلون في صفوف الميليشيا، ينهبون، يقتلون، ويختبئون خلف شعارات باهتة لا تخفي عداءهم الصريح للدولة السودانية.

أي عبث هذا؟

وأي دولة تقبل أن يُحمل السلاح داخلها من غرباء دخلوا خلسة عبر الحدود؟

هل فقدنا شعورنا بالسيادة إلى هذا الحد؟

لنتأمل الصورة في ضوء العدالة الدولية:

هبْ أن سودانيًا تسلل إلى اثيوبيا أو  كمبالا أو نيروبي دون تأشيرة أو إقامة شرعية، فهل كانت تلك الدول لتتهاون معه؟

بل ماذا لو حمل السلاح في صفوف “فانو” أو ميليشيا أخرى؟

هل كان سيُعامل كلاجئ؟ أم كمجرم يهدد أمن الدولة؟

الجواب معروف، لأن تلك الدول – مهما اشتدت أزماتها – لا تفرط في سيادتها، ولا تتسامح مع من يعبث بأمنها الداخلي.

لكن في السودان، وللأسف، صار الباب مفتوحًا على مصراعيه لكل متسلل، وكل وافد بلا هوية ولا أوراق، يسرح ويمرح ويقيم ويتحرك بلا رقابة، حتى صرنا لا نعرف من معنا ومن ضدنا!

بل إن بعضهم تحول إلى “قوة نائمة” تُستيقظ وقت الفوضى، وتقاتل بالنيابة عن أجندة خارجية لا علاقة لها بمصلحة السودان ولا بسلام شعبه.

لقد تحوّل هذا الوجود غير الشرعي إلى قنبلة موقوتة تهدد الأمن القومي، وتضعف ثقة المواطن في قدرة الدولة على ضبط حدودها.

ومن الغريب أن بعض الأصوات ما تزال تتحدث بلغة التسامح والإنسانية، وكأننا نعيش في فراغ جغرافي بلا سيادة ولا علم ولا حدود!

الإنسانية لا تعني الفوضى، والتعاطف لا يعني التنازل عن حق الدولة في حماية نفسها.

هؤلاء لم يأتوا إلينا بحثًا عن لقمة عيش أو مأوى فحسب، بل جاء بعضهم بمهمة محددة: الاختراق، التغلغل، وزعزعة الاستقرار.

فهم اليوم بيننا، في الأسواق والمحال والمزارع والمساكن، يحملون هويات مزورة أحيانًا، ويشكلون غطاءً استخباريًا وتمويليًا لمليشيات خارجة عن القانون.

لقد تحول “التسلل” إلى سلاحٍ صامتٍ يُستعمل لتفكيك السودان من الداخل، بينما نظل نحن نتجادل بين التسامح والسكوت!

آن الأوان لأن نقولها بوضوح لا لبس فيه:

السودان دولة ذات سيادة، ولن تُدار من الداخل بأجندة الوافدين أو المتسللين.

القانون الدولي يكفل لكل دولة الحق في طرد الأجانب غير الشرعيين، ومحاكمة كل من يهدد أمنها القومي.

فلماذا نخاف من تطبيق ما تطبقه كل دول العالم؟

لماذا نُترك نهبًا للفوضى بينما العالم يضبط حدوده بالسلاح والقانون؟

يجب أن يُفتح هذا الملف بلا مجاملة، وبلا مواربة، وبلا حساسيات زائفة.

من دخل بصورة غير شرعية عليه أن يعود من حيث أتى، ومن قاتل أو نهب أو تورط في جرائم، فمكانه معروف في كل تشريعات الأرض: السجن أولاً، ثم الإبعاد.

السكوت لم يعد خيارًا، لأن السكوت صار خيانة للسيادة.

السودان اليوم أمام مفترق طرق:

إما أن نحمي أرضنا ونصون كرامتنا بالقانون والحزم،

أو ننتظر حتى نصبح غرباء في وطنٍ امتلأ بالغرباء.

السودان وطنٌ لا يُستباح،

ولا يُدار إلا بإرادة أبنائه.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *