معتصم تاج السر

م. معتصم تاج السر

محرر صفحة السودان الأخضر وكاتب صحفي

• في زحمةِ هذا العالم وضجيجِ الماديات يظنّ المرء أن المعرفة تكفي 

وأن الفهم هو غاية الإدراك..!

لكن القلب لا يُروى بالحقائق فقط بل باليقين.

علم اليقين ليس كبقية العلوم فهو لا يُحفظ في الذاكرة ولا يُعلّق في الشهادات بل يُغرس في القلب. 

هو علم يتجاوز حدود العقل ليضيء أعماق الروح. 

فكم منّا يعلم أن الموت آتٍ، لكنه يخطط وكأنه خالداً وكم منّا يردد «إن الله على كل شيء قدير» ثم يرتجف أمام ضعف بشر..؟!

العلمُ العادي يُخبرك أن كل نفسٍ ذائقة الموت لكن علم اليقين يجعلك ترى الموت في كل غروب وتشعره في كل لحظةِ وداع فتستعدّ له بحب لا بخوف بعقلٍ حاضر وقلبٍ مطمئن.

حين يتحول «الموت» من فكرةٍ مخيفة إلى «لقاءٍ منتظر» نكون قد اقتربنا من يقين المؤمنين.

ثم إن السير إلى الله لا يبدأ بخطى الجوارح بل بخفقات القلب…!

إن السير إلى الله يكون بأعمال القلوب قبل أعمال الجوارح..!

فالله سبحانه لا ينظر إلى صورنا بل إلى قلوبنا

وهو القائل في كتابه العزيز: ﴿إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾

فالقلب السليم هو الجواز الذي لا يُرفض

والنية الخالصة هي الجسر الذي يُوصل حتى لو عثرت الجوارح أو قصّرت العبادة.

علم اليقين أن تمشي في العاصفة وأنت تُمسك بيد الدعاء وتهمس بقلبك:

«إن معي ربي سيهدين.»

الفرق بين العلم العادي وعلم اليقين كالفرق بين أن تنظر إلى النار من بعيد وتعلم أنها تحرق وبين أن تضع يدك فيها فتُحسّ لهيبها…!

علم اليقين أن لا تبكي فقط لأنك تعلم أن الدنيا دار بلاء بل أن تبكي وأنت تسجد شكراً لأنك تعلم يقيناً أن البلاء رحمةٌ يُحبّك الله بها ويطهّرك بها ويرفعك بها.

في الحُبّ نُحبّ حين نطمئن… !

وفي الدين نطمئن حين نتيقن.

فالحُبّ بلا يقينٍ هشّ..! والإيمان بلا يقينٍ جافّ…!

لذلك فإن أجمل العبادات تلك التي تُؤدى بيقين:

أن تصلي لا لأنك مأمور بل لأنك متيقن أن الله يسمعك ويراك ويشتاق إليك ويباهي بك.

يا لروعة أولئك الذين رأوا بنور قلوبهم ما لم تراه أعينهم…!

فأيقنوا أن ما عند الله خيرٌ وأبقى فزهدوا في الفاني وتعلّقوا بالباقي.

فلنربّي قلوبنا على علم اليقين نرويها من معين القرآن نغمرها بصحبة الصالحين ونُحييها بالمجاهدة والدعاء.

لعلنا نصل يوماً إلى مقام:

«عين اليقين» بل «حق اليقين».

حينها فقط لن نبكي إن ضاعت الدنيا لأننا سنكون قد وجدنا أنفسنا وسعادتنا في جنب الله.

اللهم ازرع في قلبي يقيناً يروي عطشه واجعلني أراك بنور قلبي قبل بصري

وأحبك حبّاً يطمئن به قلبي.

واجعل الموت عندي موعدَ لقاء لا غربة.

وأحيِ روحي بعلم اليقين حتى ألقاك بقلبٍ سليم.

محبتي والسلام.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *