عوض محمداني الإعلامي والإداري والرياضي والتاجر والمفكر الفذ

156
محمداني

بقلم: هيثم عبد اللطيف

• تمر السنوات، لكن ذكرى العظماء تبقى خالدة، محفورة في القلوب والعقول، لا تطويها الأيام ولا تمحوها السنون. وها نحن اليوم، بعد عشرين عامًا على رحيله، نستذكر الأستاذ عوض محمداني، الرجل الذي لم يكن مجرد إعلامي بارع، بل كان إداريًا محنكًا، ورياضيًا فذًا، وتاجرًا ناجحًا، ومفكرًا استثنائيًا، ترك بصمات واضحة في مختلف الميادين التي خاضها. اختار أن يكون قريبًا من مجتمعه، فأسس إذاعة كردفان التي صارت منبرًا للإبداع والتنوير، ومهدًا للكثير من الإعلاميين والفنانين الذين انطلقوا منها نحو آفاق أرحب.

رجل المبادئ والقيم

لم يكن عوض محمداني مجرد اسم في عالم الإعلام أو التجارة، بل كان نموذجًا متكاملًا لرجل المبادئ والقيم. جمع بين الكرم والشهامة وحب العطاء، وكان ابن أصول أصيلة، مخلصًا لأهله ووطنه، لا يهادن في الحق ولا يحيد عن الصدق. لم يكن نجاحه في الإعلام نجاحًا تقليديًا، بل كان نجاحًا مؤسسًا على الإخلاص والتفاني، إيمانًا منه بأن الإعلام والتجارة والإدارة ليست مجرد مهن، بل رسائل ومسؤوليات تنهض بالمجتمع وتخدم الثقافة السودانية.

التجارة.. ميدان آخر تألق فيه

لم يكن محمداني مقتصرًا على الإعلام فقط، بل كان أيضًا تاجرًا ناجحًا ذا رؤية اقتصادية ثاقبة. أدرك أن الاقتصاد المحلي هو عماد التنمية، فسعى لدعم الأسواق المحلية والمساهمة في ازدهار التجارة في كردفان. عُرف بنزاهته وحنكته، فكان قدوةً للتجار، حيث تعامل بالصدق والأمانة والعدل، وهي قيم جعلت اسمه موضع احترام وثقة الجميع. لم يكتفِ بإدارة أعماله، بل كان داعمًا للاستثمار والإنتاج، إيمانًا منه بأن ازدهار المجتمع لا يتحقق إلا بسواعد أبنائه.

رياضة وإدارة.. مهارة تكتمل بها القيادة

لم يكن محمداني إداريًا فحسب، بل كان رياضيًا فذًا ، حيث مارس العمل الإداري الرياضي، حيث طبّق مهاراته القيادية في تطوير المؤسسات الرياضية. آمن بأن الرياضة ليست مجرد منافسة، بل مدرسة تبني الأجيال، فكان حاضرًا في المشهد الرياضي ادرياً وموجهٍ وداعم، يزرع القيم النبيلة في نفوس الشباب.

اختياره كردفان على الخرطوم.. قرار صنع التاريخ

في وقت كان الجميع يتسابقون للعمل في العاصمة، فضّل عوض محمداني البقاء في كردفان، واختار أن يحمل معه عزيمته وفكره النيّر ليؤسس أول إذاعة في الإقليم، إذاعة كردفان، مؤمنًا بأن الإعلام يجب أن يكون قريبًا من الناس، معبرًا عن واقعهم، وناقلًا لتراثهم وثقافتهم.

لم تغره إغراءات المركز، بل فضّل أن يكون حيث يحتاجه أهله، فتحدى الصعوبات وأسس منصة إعلامية تخدم مجتمعه المحلي، ليصبح رمزًا للوفاء والتضحية من أجل تطوير الإعلام خارج الخرطوم. وقد أثبتت رؤيته صوابها، إذ أصبحت إذاعة كردفان مصدر إلهام لكثير من الإعلاميين والفنانين الذين انطلقوا منها ليكونوا رموزًا في المشهد الإعلامي السوداني.

إدارة استثنائية وفكر مستنير

لم يكن نجاح محمداني وليد المصادفة، بل كان ثمرة عقل إداري فذ ورؤية استراتيجية عميقة. امتلك قدرة نادرة على التخطيط والتنظيم، فتمكن من إدارة الإذاعة وأعماله التجارية والرياضية بكفاءة رغم التحديات. كان يؤمن بالعمل الجماعي وتمكين الكفاءات، وخلق بيئة داعمة للإبداع والتطور.

إلى جانب مهاراته الإدارية، كان مفكرًا حقيقيًا يرى الإعلام كأداة للتغيير، وليس مجرد وسيلة لنقل الأخبار. كان يؤمن بدور الإعلام في نشر الثقافة وتعزيز الهوية السودانية، لذا حرص على تقديم محتوى يعكس التنوع الثقافي والاجتماعي والتراثي لكردفان والسودان عمومًا.

“شهادات حية.. إرث إعلامي لا يُنسى”

ما يميز هذا الكتاب التوثيقي أنه يضم مجموعة واسعة من آراء الإعلاميين والفنانين ووجهاء المجتمع وزملاء الفقيد، الذين شاركوا في هذا التوثيق لتسليط الضوء على إنجازاته الإعلامية وإرثه المهني. تعكس هذه الشهادات دوره البارز ومكانته في الوسط الإعلامي السوداني، بالإضافة إلى تأثيره الإقليمي وعلاقاته الواسعة، مما يجعله مرجعًا حيويًا لمسيرته الغنية بالعطاء.

إرثه الباقي ووفاء أسرته

لم يكن محمداني مجرد رجل عابر في الحياة، بل كان صاحب رؤية رسّخها بأعماله وإنجازاته. واليوم، وبعد عشرين عامًا على رحيله، لا تزال بصماته حاضرة في وجدان أهله ومحبيه. حرصت أسرته الصغيرة الوفية على توثيق مسيرته العظيمة في كتاب “سيرة ومسيرة لابن عروس الرمال”، ليكون مرجعًا للأجيال القادمة عن مسيرة رجل أفنى عمره في خدمة مجتمعه ووطنه، وليظل اسمه منقوشًا في سجل العطاء والتاريخ.

هذا هو الوفاء الحقيقي، أن يبقى الإنسان حاضرًا في ذاكرة محبيه يومًا بعد يوم، وعامًا بعد عام، وأن يظل صوته وإنجازاته شاهدة على مسيرته حتى نلتقي به بإذن الله في جنات الخلد. رحمك الله، وستظل في قلوبنا دائمًا.

شارك المادة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *