عمليات برية واسعة للجيش السوداني لفك حصار مدن كردفان ودارفور

64
الجيش السوداني

مخاوف من توسع انتشار وباء الكوليرا وتضييق الخناق على “الدعم السريع” وتمهيد الطريق إلى دارفور

    

حرب السودان مستعرة، ومع انتشار وباء الكوليرا الذي ضرب ولايات عدة بما فيها ولاية الخرطوم، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تعكس أوضاعاً مأسوية داخل المستشفيات والمراكز الصحية القليلة العاملة بالخرطوم.

يستعد الجيش السوداني والقوات المساندة له لتنفيذ عمليات برية واسعة النطاق في ولايات شمال وغرب وجنوب كردفان ودارفور، تستهدف فك الحصار عن المدن والمناطق والقرى الواقعة تحت الحصار، وكشفت مصادر عسكرية عن تمكن متحرك “الصياد” من فك الحصار عن مدينة الدلنج بصورة جزئية من الجهة الجنوبية، تمهيداً لفتح الطريق للالتقاء مع قوات اللواء 54 – هجانة بمدينة كادوقلي عاصمة جنوب كردفان.

تضييق الخناق

وأعلن نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي مالك عقار أن الجيش والقوات المساندة له باتوا على بعد أمتار من فتح طريق الدبيبات – الدلنج المؤدي إلى مدينة كادوقلي، ولفت إلى أن الجيش يضيق الخناق على المسلحين في الدلنج وهو على وشك فك الحصار عن المدينة، مشيداً بالانتصارات التي تحققت في محور كردفان، مما يمكن قريباً من إيصال الإغاثة إلى المواطنين في تلك المناطق.

تحركات برية

وقالت تنسيقية لجان مقاومة كرري إن الجيش بدأ تنفيذ عمليات برية لفك الحصار عن مدن جنوب كردفان حيث وصلت قوات العمل الخاص بالفرقة 22 التابعة للجيش بمدينة بابنوسة، إلى شمال مدينة المجلد بغرب كردفان، بعدما كسرت الحصار الذي كان مضروباً عليها منذ نهاية العام الماضي، وسيطرت على الأحياء المحيطة بالحامية. واعتبر بيان للتنسيقية أن العمليات العسكرية التي يقوم بها عبر محاور وجبهات قتال عدة تهدف لتأمين شريط المناطق المؤدية إلى مدينة كادوقلي، فضلاً عن قطع خطوط إمداد المسلحين، كما تتيح للجيش الوصول إلى إقليم دارفور انطلاقاً من المناطق المتاخمة له في كردفان.

عمليات نوعية

وتابع بيان اللجان أن الجيش قام بتحركات وعمليات نوعية في مدينة أبو زبد المتاخمة لمنطقة الدبيبات بغرب كردفان، من شأنها تحرير مدن جنوب كردفان المحاصرة، وربطها مع شمال وغرب الإقليم، بخاصة بعد تحرير مدينتي الحمادي والدبيبات نهاية الأسبوع الماضي. ولفت البيان إلى أن قوات “الدعم السريع” دفعت بحشود كبيرة إلى إقليم كردفان، بدلاً من التركيز على دارفور، في محاولة لوقف تمدد الجيش عبر الطريق البري بين النهود وأم كدادة.

في الأثناء استعرضت قوات العمل الخاص التابعة للجيش مزيداً من الأسلحة والذخائر التي ضُبطت داخل أحد المباني السكنية في مناطق جنوب أم درمان الذي استُغل كقاعدة عسكرية من قبل “الدعم السريع”.

نزوح ومناشدة

من جهة أخرى كشف مستشار قائد “الدعم السريع” الباشا طبيق عن أن الأيام الماضية شهدت نزوح آلاف المواطنين من مناطق أم روابة والرهد والحمادي والدبيبات، إلى مناطق سيطرتهم في جبرة الشيخ وبارا وأبو زبد والفولة بإقليم كردفان، هرباً مما وصفه بالحملات الانتقامية التي نفذها الجيش والقوات التي تقاتل معه. وقال مستشار “الدعم السريع” على منصة “إكس” إن النازحين يعيشون أوضاعاً إنسانية صعبة تحتاج إلى استجابة عاجلة من الأمم المتحدة ومنظمات العون الإنساني، لتقديم المواد الغذائية والأدوية والإيواء، بخاصة أن هذه المناطق على أعتاب موسم الأمطار مما يزيد من معاناة المواطنين وصعوبة إيصال المساعدات الإنسانية.

معركة الكوليرا

صحياً، ومع انتشار وباء الكوليرا الذي ضرب ولايات عدة بما فيها ولاية الخرطوم، تداولت وسائل التواصل الاجتماعي مقاطع فيديو تعكس أوضاعاً مأسوية داخل المستشفيات والمراكز الصحية القليلة العاملة الخرطوم. وتعكس المشاهد اكتظاظ العنابر بالمصابين الذين افترش بعضهم الأرض في فناء بعض المستشفيات، بينما يمسك عدد من المرافقين بأكياس المحاليل الوريدية الموصولة بأجساد أقربائهم المصابين على أيديهم وهم وقوف.

إصابات متزايدة

وفق متطوعين فإن مراكز العزل تشهد تزايداً في أعداد المصابين وسط حال من الخوف تعتري المواطنين الذين طالبوا بتوفير مخيمات طبية لاستقبال الحالات الطارئة. وكشف التقرير اليومي لوزارة الصحة بولاية الخرطوم عن علاج 167 حالة إصابة بالكوليرا، وتدخل فرق الاستجابة السريعة لعلاج 76 مصاباً بالعيادات الميدانية المنتشرة في سبع محليات بالولاية، ولفت التقرير إلى تدخلات واسعة لجهة تطهير ومعالجة مياه الشرب بالكلور وتعزيز الصحة بمحلية أم درمان الكبرى.

مكافحة وتطهير

وأوضح التقرير خلو مراكز العزل بمستشفيات “البلك” و”أم درمان” و”صالحة القيعة” و”هجيلجية” من حالات الوفاة، في وقت استقبلت العيادات الميدانية 13 حالة، وبلغت الحالات المكتشفة عبر فرق الاستجابة السريعة ليوم أمس الإثنين 45 حالة.

تعاف وتنويم

وأكد تقرير لغرف العزل بالمستشفيات العاملة بولاية الخرطوم وجود نحو 800 حالة إصابة تحت العلاج المكثف، تعافى منها 218، بينما تم تنويم 206 حالات في 13 مستشفى، وناشد بيان لصحة بالخرطوم المواطنين ضرورة التزام الإجراءات الوقائية للحد من انتشار الوباء.

وتفشت الكوليرا في أم درمان بولاية الخرطوم، بعد اعتماد الأهالي على استخدام مياه النيل مباشرة إثر توقف محطات المياه نتيجة هجمات شنتها “الدعم السريع” بطائرات مسيرة على محطات الكهرباء قطعت التيار الكهربائي وأدت إلى تعطل محطات المياه.

إمدادات ومعينات

وأكد الصندوق القومي للإمدادات الطبية إرسال 150 طناً من الإمدادات الطبية والأدوية لطوارئ ولاية الخرطوم لمواجهة الوباء.

وذكرت منظمة الصحة العالمية، على منصة “إكس”، أنها قدمت 15 طناً من الإمدادات لصحة الخرطوم ومنظمة “أطباء بلا حدود” لعلاج 58 ألف مريض من الكوليرا والملاريا وحمى الضنك وسوء التغذية الحاد.

وعقد وزير الصحة المكلف ولاية الخرطوم فتح الرحمن الأمين اجتماعاً موسعاً لمناقشة خطة متكاملة لاحتواء وباء الكوليرا بالولاية، ضم ممثلي 25 منظمة وطنية ودولية، وبمشاركة إدارة الطوارئ الاتحادية.

ارتفاع العدد التراكمي

وفي ولاية سنار أعلنت وزارة الصحة ارتفاع العدد التراكمي لحالات الإصابة بالكوليرا إلى 51 حالة بينها خمس وفيات، بينما تماثلت 14 حالة للشفاء، ولا تزال 31 حالة تتلقى العلاج داخل مراكز العزل.

وفي ولاية الجزيرة تفشى وباء الكوليرا وحمى الضنك في غالبية المناطق وسط شح شديد في الأدوية والمستلزمات الأساسية.

وكشفت مصادر محلية، في شمال كردفان، عن تسجيل أكثر من 40 إصابة بالكوليرا وخمس حالات وفاة في قرية أبو سعد شرق مدينة الرهد.

تفشٍّ واسع

من جانبها كشفت اللجنة التمهيدية لنقابة أطباء السودان عن تفشٍّ واسع للكوليرا وتزايد مستمر للإصابات في ست ولايات وسط تدني الخدمات الطبية. وأوضحت النقابة أن عدد الوفيات في ولاية الخرطوم وصل إلى 346، و45 في ولاية الجزيرة، و33 في نهر النيل، و57 في شمال كردفان وخمس وفيات في سنار.

بدورها حملت هيئة “محامو الطوارئ” طرفي الصراع المسؤولية إزاء هذا الوباء الذي يهدد حياة آلاف المواطنين لا سيما في مناطق النزوح والتجمعات السكنية التي تفتقر إلى أدنى مقومات السلامة الصحية، في ظل انهيار النظام الصحي وتردي الأوضاع المعيشية والبيئية. وطالبت الهيئة طرفي الصراع، كلاً في مناطق سيطرته، بإعلان حال الطوارئ الصحية وتعزيز أنظمة الرصد والتبليغ، لضمان استجابة طبية فعالة، وبذل مجهود أكبر في توفير المياه النظيفة ومواد التعقيم وإصلاح شبكات الصرف الصحي بصورة عاجلة.

اتصالات حمدوك

من جانبه قال رئيس تحالف القوى الديمقراطية الثورية “صمود”، عبدالله حمدوك، إنه أجرى اتصالات بعدد من الجهات الإقليمية والدولية العاملة في المجالات الصحية والإنسانية، وأطلعها على الأوضاع الصحية الكارثية في السودان، لا سيما تفشي الكوليرا والأوبئة التي تحصد مئات الأرواح يومياً. وكشف حمدوك، في منشور على “فيسبوك”، عن دعوته الجهات والمنظمات الإنسانية كافة إلى التدخل العاجل لإنقاذ المصابين وبذل كل ما يمكن لاحتواء الكارثة الصحية بالسودان.

نداء الفاشر

في محور شمال دارفور حيث تشهد مدينة الفاشر قصفاً مدفعياً عشوائياً متقطعاً يستهدف أحياء المدينة، أفاد شهود بتحليق الطائرات المسيرة فوق سماء المدينة. وأطلقت تنسيقية لجان مقاومة الفاشر ما سمته بـ”النداء الأخير” في مواجهة كارثة إنسانية تتطلب تحركاً فورياً من منظمات الإغاثة والجهات الحكومية لوضع حد لمأساة المواطنين هناك ودعم المطابخ الخيرية بالغذاء والدواء بعدما أصبحت الحصن الأخير في وجه المجاعة.

أسوأ الأزمات

واعتبرت اللجان ما يحدث في الفاشر من تدهور مريع للأوضاع الإنسانية والمعيشية شاهداً على أحد أسوأ الأزمات الإنسانية في تاريخ السودان الحديث، بعد تحول المجاعة إلى واقع قاس طرق أبواب آلاف الأسر التي لم تعد تجد ما تأكله. وكشف البيان عن أن الأسواق باتت فارغة من السلع الضرورية، ويباع الموجود منها بأسعار خيالية لا يقوى معظم السكان على شرائها، فضلاً عن غياب الدواء والمياه. وأكدت التنسيقية أن القصف المدفعي العشوائي المستمر على أحياء المدينة يعطل وصول المساعدات ويمنع الناس من الخروج للبحث عن الطعام، ويعتمدون على وجبات المطابخ الخيرية.

تراكم ومخاوف

وكانت وزارة الصحة الاتحادية قد أعلنت عن أولى حالات الكوليرا في أواخر يوليو (تموز) 2024، وسجل السودان، وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، ما يقارب 59 ألف إصابة، ونحو 1500 حالة وفاة حتى أبريل (نيسان) الماضي. وتتزايد المخاوف من استمرار تفشي وباء الكوليرا بالبلاد بصورة كارثية، في ظل انهيار النظام الصحي وتردي الأوضاع المعيشية والبيئية بسبب استمرار الحرب وتعطل نحو 80 في المئة من المرافق الصحية بمناطق النزاع وتأثر عمل نحو 45 في المئة منها في المناطق الأخرى.

شارك التقرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *