نظرة يسار سارة عبدالمنعم

سارة عبدالمنعم

كاتبة وروائية

• دمعُ الحنين، لفحةُ الذكرى، نسمةُ الشَّوقِ … أحاسيسُ تقودُك إلى ابتسامةٍ تُعاتِبُك دموعُها على خطوةِ وحدةٍ استجارت بغربةِ الرحيل.

تجلدك سياطُ وجعٍ تتعمدُ إيذاءَك؛ إن كشفتَ ضعفَ ظهرِكَ لتحمُّلِه، أثَارت فيك حزناً يُشقيك.

ذاك الفرحُ، كما زمانِه، لن يعود.

ذاك الصبرُ، الذي تهزمُه بضَحَكاتِك، كفيلةٌ ليلاتُه بمُحاسَبتِك.

مخدعٌ يسأمُ نُواحَ جفنٍ تهدهدُه أصواتُ العَبَراتِ، يئنُ بها نبضٌ مخذُولٌ،

يُعاقبَه على فرحٍ منافقٍ، جُلُّ ذنوبِه خَفقَاتٌ رقصتْ طرباً لحضورِ أفراحٍ لم يُناوشُها سوءُ ظنك بأنها مُغادرة.

يكفِّر عن جُرمِهِ بدفعِ عمرهِ سُدىً، رغم شهادةِ العدالةِ أنه نبضٌ مجنيٌّ عليه.

وراقبتُ الطريقَ الذي لم تقُدني إليه ذاكرة ..

طويلٌ على أقدامٍ واهنةٍ، لا محطاتَ فيهِ سِوى انتظارٍ مجهولٍ، وعِرٌ، وإن توسَّمتُ في نهاياتِه كتفاً أستندُ عليه لأتقوَّى.

كنتُ أحتاجُ لحظةَ بوحٍ أُُقصِي فيها نبأَ طرقٍ لم ترحم ..

لمحتُ في الماضي حماقاتِ شوقهِ، يستفسرُ الجميع عن طأطأةِ رأسي لاقتيادِه، عن سرِّ قُدسيةٍ بجَّلتُها بإذعان.

كان عيباً على نظري أن يكتفي بظلٍ سِواه. كان ثقيلاً على جسدي أن يرفعَ نظره لوجهِ حقيقةٍ تُخبرُني أن تلك الأقدام مصيرُها مجهولٌ، بلا نهاية، قصُّ أثرها وتتبعها حماقةٌ بلا شك، تهبني ضياعاً يتبعُه ندم، حين أجد طرقاً كثيرة تشتهي خُطى حُضوري دون اكتراث، تحتفي بسلامةِ عبورٍ أوصلَني لنهايةِ دربٍ لم يستحق صبراً أوهمتُهُ بقادمٍ أحلى إنْ تحمَّل معي هذا العناء.

وأيقظتُ الندمَ على شوقٍ أيقظ الحنين باكراً، يُهامسُه بذكرياتٍ كان هذا النبضُ يَسعَدُ بشقاءٍ يتوهَّمُه سِربُ أفراحٍ تُرفرِفُ، لم تكن تصفيقةُ أجنحتُها سوى فرحِ انتصارٍ بنفاقٍ آمنتُ به، رغم ارتدادِه عني.

سمعتُ الحنينَ يُهمهمُ بشكواه أن صِغارَه ينامون هناك، لأنّ الوحدة لا تُجيدُ تسليتهم.

خفتُ منه أن يُجرجر الحواس للعودة. كاد النبضُ أن يُنصتَ لشوقٍ يدمعُ اشتهاءً لمجدِه الغابرِ، حينَ كان الفرحُ يقوده للقاء.

تحسَّستُ فيهم أحاسِيسَ متمرِّدةً على أخرى تُريد الاستسلامَ لضعفِ مقاومتها.

حسبتُ العمرَ المُهدَرَ، وزدتُ عليه لياليَ وأياماً كابدتُ فيها الألم بكلِّ صنوفِ عذاباتِه.

استكنتُ لفرحٍ احتلَّني؛ أني منتصرةٌ بتنمّرٍ لم تسكب فيه هواجسي دمعاً يستكينُ للذكرى. بلا شك، لم تعُد الذكرى حتَّى لتؤلمني.

صَرختْ أفكارٌ خنقها عقلٌ لم أُعره في العِشقِ يوماً اهتماماً، بل لم أُصيِّره دفَّةً تقودني لبرِّ الأمان.

جمهرَ كلَّ الماضي، بدءً من أولِ رعشةِ نبضِ لقاءٍ، وانتهاءً بآخرِ لحظة فراق.

حشدَ دمعي، صمتي، وجعي، يعلو صوته ليفتحَ بصيرتي أكثر، يصرخُ بأعلى الصوت :

«كم عمرٍ ضاع بالقرب؟»،

وكم عمرٍ انقضَى لمداواةِ جراحِ ذات العُمر الذي كان يُفرحُك، أو هكذا خَادَعك!

قبل أن أسمحَ له بلومٍ وعتابٍ وإدانةٍ، بأنني تعمّدتُ تجاهُله، بصحبةِ قلب.

جاء بصوتٍ وقورٍ، كشيخٍ يَهَبُك حكمةً اعتصر خُلاصتَها من حقلِ التجربةِ، هامساً بفوضويةٍ :

«كلُّ إحساسٍ لا يتبعُه منطقٌ في تفحُّص الأشياءِ ورؤيةِ حقيقتها، بعيداً عن مرآةِ المشاعر، بلا شك ستؤلمك فيه نهايةٌ صادقةُ الحضور».

هكذا كانت تقصُّ نبأَ حواسٍ تُطالبُها بالعودة لمن أضاعت العمرَ بجِوارهِ، وأفنت البقيَّةَ في نِسيانِ ذات الجوار.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *