ملكة الفاضل

ملكة الفاضل

كاتبة وروائية

• ضحى أهزوجة يوم شتوي لا يؤرقه الهجير. هذه الجميلة عادية الملامح ، جامحة النظرات كأنها لا تعرف السكون إلى رتابة الأشياء  أتخمتني بالبهاء منذ أن صارت حضورا ينبئ عنه زر جامح الاخضرار.  لم يمض وقت طويل حتى تبين لي أن كل أزرار (مونز) الخضراء لا تملك رونق الحضور الجميل كما هو في عالم (ضحى).  كل حسناوات (مونز) وجميلاته كما تحكي عنهن صورهن حقيقية كانت أم خيالا لم يستطعن نفض الجمود عن الأزرار الخضراء التي تعلن  عن وجودهن مثلما تفعل (ضحى).

سنوات وجودي في (مونز)  التي ضمني لها صديق من طوكيو عرفته على (الفيس بوك) أضافت لي الكثير وفتحت عيني على خفايا  عالم كثيرا ما تعاملت معه على أساس معطيات اتضح لي أنها كانت في غير محلها. قد يقول أحدكم : عادي.  العالم الحقيقي أيضا يضج بمعطيات في غير محلها. صحيح. ولكني في العالم الحقيقي لا أعرف عشرات الأصدقاء والصديقات كما هو الحال في (مونز).

أعرف أصدقاء لا يمر يوم من دون أتلقى تحاياهم واستفساراتهم عن سبب عدم ظهوري البارحة وآخرون يقودوني إلى جدل يصل فيه الجميع إلى مرحلة الخصام أو تبادل اللكمات إن كانوا على مسرح الحياة الواقعي وسرعان ما يتدخل من يعيد الجميع إلى حالة الوئام التي كانوا عليها. صديق يعرض عليك خدماته في النيل من آخرين وأخريات من أجل التسلية فقط وصديق يشكو من آخر ألقمه مأساة الماسي وهما على متن (مونز). شكاوى واعترافات وصداقات وعداوات وأفراح وأتراح كلها على متن (مونز) أضافها لحصيلتي أصدقاء وصديقات أيضا.

صديقة تعطيك التعريف العملي لمعنى الصداقة وأخرى تجعلك  تتشكك في أن كانت هي تستوعب معنى الكلمة. صديقة مللت معرفتها قبل أن أعرفها بما يكفي وصديقة تطلب مني موعدا صريحا لتقطع الشك باليقين كما تقول رسالتها وصديقة تعرض مفاتن جسدها ببوح جريء ولغة متعثرة   وأخرى  تطلب ما يساعدها على التواصل معي ، وصديقة ترسل من وراء البحار استغاثة عاجلة تطلب بها شيئا من المال . وأخرى تبحث عن مصطفى سعيد آخر يأخذها في موسم الهجرة إلى الجنوب. وأخرى تطلب نصحي في مشكلة تسبب فيها والدها بإجبارها على الزواج من شخص لا تطيقه وأخرى تسأل ما العمل وهي باتت تعشق زوج صديقتها؟.

في البدء كنت أندفع إلى التجاوب مع كل حالة بما أقدر عليه وعندما تكررت الحالات وتشابهت وتعددت المالات وتشابهت قمت بعملية جرد سريع لحصاد عامين في موقع (مونز) للتواصل الاجتماعي  الذي أحببت فيه صفويته وهدوئه وتميزه وأيقنت أن الأمر يحتاج إلى وقفة وتقييم وأن العالم ممثلا في (مونز) لا يمكن أن يكون متطلبا هكذا . تراجعت عن الردود والرسائل الفور ية وقنعت بالمطالعة فقط  ، ثم لجأت إلى أصدقائي المفضلين في ذات الموقع فأشاروا بأنهم مثلي « في الهوا سوا» أو كما كتب بعضهم. أحدهم ممن فتح الله عليهم بعمل مجز في دولة نفطية اسمها مذكور ضمن معلوماته الشخصية في (مونز) أرسل يقول» تيقنت من صدقها وصدقتها ويعد أن توقفت سحائبي عن العطاء تلاشت هي كما يتلاشى الغمام».

وآخر  يتساءل عن أخرى  أيقظت فيه عنفوان حلم باذخ الوعود مشرق الرؤى وهما على متن قارب الأماني السعيد  وعندما أفصح عن رغبته في الوصول إلى بر اللقيا تلاشت  وتركته مع أشعار ظنها لحظتئذ بأنها أنشودة الأناشيد.  وصديق سألته فدعاني إلى الاستمتاع بما تتيحه الأسافير قائلا» استمتع يا صديقي ولا تتردد. استمتع وإن جرتك المتعة إلى المحيط المتجمد»، وصديق صار الأكثر ارتباطا بي أرسل رسالة هذا فحواها: 

«صديقي العزيز: دعك من هذه التساؤلات وتعال معي نناقش ظاهرة  التلاشي بين طيات الأسافير».

لم نصل إلى نتيجة في نقاشنا الصاخب وبعدها تلاشى هو ذاته.

 بقيت أنا أعالج الحيرة بالحذر وبعض الوصفات المكتسبة بالخبرة أكثر من أي شيء آخر.وهكذا تبعتني مهنتي إلى هنا رغم إني لم أعلق لافتة تشير إليها. لم أخبر أحدا عن مهنتي . لاحظت كم المتاعب التي يجرها عليك الإعلان عن مهنتك وما يسفر عن ذلك سلبا أو إيجابا فحرصت على عدم الإشارة إليها وتفادي ذلك بحرص اكتسبته مع الزمن. حتى أصدقائي تنبهوا لتحفظي على ذكر المهنة فأحجموا عن الإشارة إليها.  مع (وضحى) كان الأمر مختلفا فأنا لم أعمل على تمليكها المعلومة أو أتفادى ذلك لأنها ببساطة لم تطلب ذلك.  لم تشر إلى مهنتي من قريب أو بعيد أو تسألني عنها. ارتحت لذلك التجاهل من جانبها وان كنت على يقين بأنني سوف أخبرها فور وصول رسالتها. لن أظل متحفظا معها ولن ينهكني الحذر كما يحدث في أكثر الأحوال بين طيات (مونز). فيما عدا هذا الجانب فكل ما يتعلق بي صفحة واضحة الحروف والكلمات والسطور، حتى القهوة وما بيننا من ود لا يعرف التراجع والقراءة ولعبة التنس التي قادتني إلى مدن أتحفتني بالدهشة وجعلتني أعشق الترحال وأصبو له كما أصبو الآن إلى (ضحى) وإلى مدن تنفض عني ذلك الإحساس بأن لاشيء يستحق ، مدن تعدك وتنجز ما تعد.

أصدقاء وصديقات نقلوني عبر ضفاف (مونز) إلى تلك المدن : طوكيو وبكين وبومباي وباريس وتورنتو وأدنبرة وشيكاغو وجوهانسبرج والقاهرة وكازابلانكا وبغداد وجنيف وغيرها وغيرها نقلني إليها أصدقائي ومن بعدهم قوقل والفيس وياهو ومواقع أخرى وعندما وصلت  (ضحى) بدأت أحكي لها عن ولعي بمدن لم أرها وهواية الرحيل إلى مدن أسمع عنها وعن السفر الذي لم يكن سوى أمنية وليس  هواية في واقع الأمر.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *