(صدى السنين الحاكي)

53
البنا
Picture of بقلم: زين العابدين الحجّاز

بقلم: زين العابدين الحجّاز

• يا جارة الوادي طربت و عادني … ما يشبه الأحلام من ذكراك

مثلت فى الذكرى هواك و فى الكرى … والذكريات صدى السنين الحاكي .

هكذا بدأ أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته الرائعة « زحلة « أو  « جارة الوادي « .  

وصدى الذكريات يحكي لى  يوم أن دخل علينا الفصل أستاذنا الشيخ عبدالله محمد عمر البنا أخريات العام 1960 في مدرسة الأحفاد الوسطى وبدأ  الحصة بحديثه عن «مهرجان شوقي و حافظ « الذى أقامته مدارس الأحفاد إحتفالا بذكرى الشاعرين  أحمد شوقي و حافظ إبراهيم . روى لنا الشيخ البنا بعض من سيرة الشاعرين مستعرضا العلاقة الطيبة التى كانت تربطهما . 

ثم إختتم شيخنا البنا حصته بتلك القصيدة التى صاغها و أنشدها فى ذلك المهرجان والتى أذكر منها الأبيات التالية:-

يقول الشعر حافظ  ويتلوه شوقي — بأعذب من نجوى حبيب مودع

ففى  الفاروق أبدع إبداع مقتدر  — أبيّ  صادق النفس لا متصنع

وفى جارة الوادي شدى فتقطعت — نفوس على وجدانه المتقطع

قد رام فى المنظوم والمنثور مدى — البحتري و إستأثر ابن المقفع

والفاروق هى « العمرية « قصيدة شاعر النيل حافظ إبراهيم  المشهورة عن سيدنا عمر بن الخطاب . وجارة الوادي هى قصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي « زحلة « والتى لحنها و شدى بها المطرب الموسيقار محمد عبدالوهاب عام 1928 ثم غناها من بعده الكثيرون أشهرهم المطربة فيروز .

ولد الشاعرعبدالله محمد عمر البنا عام 1890 م في مدينة أم درمان . ترجع جذوره الى قبيلة الجعليين الحاكماب المرتبطين برفاعة معقل الشكرية.  درس القرآن الكريم والعربية على أبيه القاضي وشاعرالثورة المهدية محمد عمر البنا وتعلم بكتّاب مدينة رفاعة ثم التحق بكلية غردون قسم المعلمين والقضاة و تخرج معلما.

عمل بالمدارس الأولية ثم عمل معلماً بكلية غردون والمدارس العليا وفي الأربعينيات أصبح رئيس شعبة اللغة العربية  بالمدارس العليا.  في بداية الستينات كنت أشاهده راكبا حماره قادما من حي ود البنا عبر محطة مكي ود عروسة و متجها الى المحطة الوسطى ثم الى مدرسة الأحفاد في حي العرضة بأم درمان .عمل عبد الله البنا استاذاً بكلية الخرطوم الجامعية بعد إنشائها الا ان عمله  لم يحرمه من ممارسة هوايته فى صيد الغزلان وكثيراً ما كان يحمل  كراسات الطلاب معه و يصطحب كلابه الى  الخلاء – يصحّح و يصطاد – ومن هنا نبتت محبة أولاد البنا للصيد. 

في منتصف الستينات خلال الاجازة السنوية كعادته سافر الى البطانة للصيد يصحبه عاشق الأدب شقيقي صلاح الحجّاز و مكثا في خيمة قرابة الشهر ثم عادا الى أم درمان.

كان له نشاط ثقافي واسع في الأندية والمدارس والجامعات وله حضور بارز في الاحتفالات الدينية والوطنية. كان عضو مؤتمر الخريجين واتحاد الأدباء واتحاد الشعراء واتحاد المعلمين.

له ديوان شعر بعنوان  » ديوان البنا « تم طبعه مرتين . الطبعة الأولى عام 1922 والطبعة الثانية عام 1976 تحقيق علي المك وتم نشر شعره في صحيفة الفجر وحضارة السودان و صوت السودان و الرأي العام . 

يعد ضمن الطبقة الأولى من شعراء السودان في العصر الحديث بعد شعراء المهدية . في شعره قوة أسر وجمال أسلوب مع صدق العاطفة وثراء الخيال و غناء بأمجاد العروبة والإسلام مع تناول عميق  لمختلف القضايا الاجتماعية والسياسية.  اشتهر بوصفه البديع للبادية ويظهر في شعره المنحى التعليمي لأنه كان من كبار معلمي اللغة العربية والأدب الإسلامي . 

له من الأخوان الشاعر عمر البنا و اللواء علي البنا . تزوج من تسع نساء و أنجب ستة عشر ابنا و خمس بنات اشتهر منهم السياسي و الأديب ادريس البنا عضو مجلس السيادة في الديمقراطية الثالثة      والرياضي بابكر البنا وهو والد الفنان عاصم  كما اشتهر الشاعر  و المغني أحمد الفرجوني البنا .

إقرأ له الأبيات التالية من قصيدته التى ألفها تحية للعام الهجري 1339 منتقدا فيها الواقع الاجتماعي و السياسي والاقتصادي في السودان فى ذلك الزمان ثم قارنها بواقعنا في العام الهجري الحالي فهل ترى من فطور ؟ :-

أحبتي ودعاء الحب مرحمة … لا يحزننكم بالنصح تلقيني

فربّ قول غليظ اللفظ باطنه … رحمى ولين بفظ الروح مقرون

ترضون بالدون والعلياء تقسم لا … تدين يوما لراضي النفس بالدون

والمجد ينأى فلا تدنو مراكبه … من الجبان ولا ينقاد بالهون

تفرق وتوان وإتّباع هوى … إن الهوى لهوان غير مأمون

إني بكيت على ماض تكفّل  لل … مجد الأثيل بفخر غير ممنون

والحادثات تريكم غير آلية … أن التقاطع من شأن المجانين

فلا إعتبار ولا رقبى لنازلة … ولا إحتياط ولا رحمى لمغبون

بليتم وبلايا الدهر إن نزلت … فالصبر يكشف منها كل مدفون

بأُمة جهلت طرق العلاء فلم … تسبق لغاية معقول ومخزون

فللمدارس هجران وسخرية … وفي المتاجر ضعف غير موزون

وللمفاسد إسراع وتلبية … ولا إلتفات لمفروض ومسنون

والناس في القطر أشياء ملففة … فإن تكشّف فعن ضعف وتوهين

فمن غني فقير من مروءته … ومن قوي بضعف النفس مرهون

ومن طليق حبيس الرأي منقبض … فأعجب لمنطلق في الأرض مسجون

وآخر هو طوع البطن يبرز في … زيّ الملوك وأخلاق البراذين

وهيكل تبعته الناس عن سرف … كالسَّامريّ بلا عقل ولا دين

يحتال بالدين للدنيا فيجمعها … سحتاً وتورده في قاع سجّين.

رحم الله شيخنا المربي و الشاعر العملاق عبدالله محمد عمر البنا الذي توفي عام 1985 م  بأم درمان.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *