• في زمن يحاول الظلام أن يطوي صفحات النور، تشرق شمسٌ لا تعرف سوى العلا، شمسٌ تحمل في ضوئها قصة إصرار يختزل معاني الصمود، ويروي سيرة عزيمة لم تثنها الأعاصير. إنها الأيقونة شمس الحافظ عبدالله، التي حوّلت مسيرتها إلى ملحمة تعانق فيها الألم الأمل، والتراب النجوم. التي اجتازت مسافة ألفي كيلومتر من غرب دارفور إلى تشاد ثم إلى مركز الامتحانات في مدينة عطبرة، وذلك للحاق بامتحانات الشهادة الثانوية، لتحرز رغم ذلك نسبة 94.7%. من بين ركام الحرب التي مزقت أحلام الكثيرين، نهضت شمس كالسعفة الخضراء في أرض يباب، تحمل بين أناملها قلماً صلداً لا ينثني، وإرادة لا تكل. ففي الوقت الذي كان فيه دوي المدافع يعلو فوق صوت المعرفة، كانت أصوات مثل صوتها تخترق الضجيج، ليقول للعالم إن نور العلم لا يخبو، وإن شعلة العزيمة لا تُطفأ. رحلتها كانت خطوات على درب التعليم، وقصيدة كُتبت بحروف من نار وندى، نار المعاناة وندى الإيمان. فما أقسى أن ترى طفولة تُسرق تحت وطأة الظروف، ولكن الأروع أن ترى طفلة ترفض إلا أن تسرق من الزمن فرصتها، وتصنع من اليأس سلّماً تصعد به إلى المجد. إنها لا تتعلم لذاتها فحسب، بل تحمل على كتفيها أحلام وطن بكامله، وطن ينتظر أن يولد من جديد من بين أنقاض المأساة. شمس الحافظ عبدالله اسم تذكرونه جيداً.. إنها رمز يختزل في حروفه قوة السودانيين الذين يرفضون أن يكون اليأس آخر فصولهم. هم يعلمون أن الحروب قد تُخرّب المباني، لكنها لا تقوى على هدم المعاني التي تبني من الحلم قصوراً. ففي عيونها، وفي عيون آلاف الطلاب الذين يسيرون على الدرب ذاته، يقرأ المرء سطراً من نور.. «إن الأمل أقوى من أي معاناة». وإذا كان السودان ينزف دماً، فإنه ينبض أيضاً بأرواح مثل روح شمس، أرواح تزرع في أرض الألم بذور الغد المشرق. فهي كالنجم الذي لا يظهر إلا في الظلام، ليذكّرنا أن العتمة ليست نهاية المطاف، بل هي المحكّ الذي يختبر به الكون لمعان العزائم. فلتظل قصتها شاهداً على أن المعنى الحقيقي للوطن لا يُختزل في الجغرافيا وحدها، بل في أولئك الذين يصنعون من أشلائه جناحاً يحلقون به نحو المستقبل. وليكن دربها نبراساً لكل من يظن أن الظروف قادرة على قتل الأحلام، فما أروع الإنسان حينما يكون كالشمس وكـ«شمس»، لا يغيب عنها أن تشرق، ولا يثنيها عن عطائها حاجب من غيم. رغم أنف الذين يمقتون النور، وتطربهم رائحة البارود، تبقى الحياة تنبت الأمل بين شقوق الدمار، وتزهر كلمات الحق في فم الزمن الأعصم. وكأنَّ الكون يناجي ذاته.. مهما اشتد السواد، فـ (شمس) لا تحتاج إلى إذن كي تشرق.