
معتصم تاج السر
كاتب صحفي
في هدوء الليالي العذبة يتسلل شهر شعبان إلى أرواحنا كالفجر البهي يحمل نسمات الأمل ويغسل عن قلوبنا غبار الأيام.
هو شهرٌ يحمل في طياته نبض الاستعداد وتجديد العهد مع الله.
حيث تتفتح أبواب الطاعة وتُضاء دروب القلوب استعداداً لاستقبال رمضان، شهر النور والسكينة والجمال.
شعبان ليس مجرد شهرٍ عابر بل هو جسر بين الغفلة واليقظة بين البُعد والقرب.
فيه تتعطر الأرواح برائحة الصيام وتغتسل الذنوب برحيق الدعاء.
إنه شهر الأحلام البيضاء التي تقترب فيها الأرواح من سماء الخشوع كما يقترب الليل من النجوم في عناقٍ أزلي.
ورد في أصل تسمية شهر شعبان عدة روايات منها أنه سُمي بذلك لتشعب العرب فيه في طلب المياه بعد قلة الأمطار.
وقيل أيضًا لتشعبهم في الغارات بعد انتهاء شهر رجب الذي كانوا يعظمونه ويكفون فيه عن القتال.
وهناك من يرى أن الاسم جاء لتشعب الخير فيه وتعدد فرص البر والطاعة.
إن الصيام في شعبان عزيمة الأنفس وطهارة الأرواح والأعمال حين رفعها لله العلي المتعال.
عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ، ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَامًا منه في شَعْبَانَ.»
وعنها أيضًا قالت: «كانَ أحبَّ الشُّهورِ إلى رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أن يصومَهُ شَعبانُ، بل كانَ يصلُهُ
برَمضانَ.»
كما جاء عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: «يا رسولَ اللَّهِ! لم أرك تَصومُ شَهْرًا منَ الشُّهورِ ما تصومُ من شعبانَ؟! قالَ: ذلِكَ شَهْرٌ يَغفُلُ النَّاسُ عنهُ بينَ رجبٍ ورمضانَ، وَهوَ شَهْرٌ تُرفَعُ فيهِ الأعمالُ إلى ربِّ العالمينَ، فأحبُّ أن يُرفَعَ عمَلي وأَنا صائمٌ.»
فيه ليلة النصف من شعبان إنها ليلة لا تشبه الليالي رغم إنها لم تختص بعبادة محددة على قول الفقهاء.
ولكنها تتلألأ القلوب بالدعاء وتزهر النفوس بالرجاء.
وردت في فضل هذه الليلة عدة أحاديث منها ما رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا كان ليلة النصف من شعبان اطلع الله إلى خلقه، فيغفر للمؤمنين، ويملي للكافرين، ويدع أهل الحقد بحقدهم حتى يدعوه.»
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه، إلا لمشرك أو مشاحن.»
وقال عطاء بن يسار: «ما من ليلة بعد ليلة القدر أفضل من ليلة النصف من شعبان، يتنزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا، فيغفر لعباده كلهم، إلا لمشرك أو مشاجر أو قاطع رحم.»
إختلف العلماء في مشروعية صيام يوم الشك وهو اليوم المتمم الثلاثين من شعبان إذا لم يُرَ هلال رمضان يوم التاسع والعشرين من شعبان بالليل.
وأكثر العلماء على أن صومه مكروه إذا صامه الشخص معتقداً أنه قد يكون من رمضان.
والأصل في النهي عنه ما رواه البخاري وأبو داود والنسائي والترمذي عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: «من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم.»
إن شعبان بوابة النور إلى رمضان بل هو ذاك العهد الصادق الذي نقطعه مع الله هو أملنا أن نرتب أرواحنا كما نرتب بيوتنا لاستقبال الضيف الكريم، رمضان.
كم من حلمٍ وُلد في شعبان وكم من دعوةٍ حلقت في سماءه وعادت محملة بنور المغفرة.
وفي هذه الأيام المباركة نسأل الله أن يبلغنا رمضان والسودان يرفل في سلام ومحبة.
وأن تزهر أرضه حياةً بعد الدمار وتُروى بعرق الأمل بدلاً من دماء الفتن والأشلاء.
وأن تسكن أصوات البنادق وتحل محلها دعوات الأمان والتآخي.
فلنجعل من شعبان لحظة ميلاد لأرواحنا نتطهر فيه من الحقد والشحناء، ونتزين بالحب والتسامح.
لعلنا نكون ممن تقبلهم السماء وتغمرهم ببركاتها.
مبارك عليكم شعبان
وبلغنا الله وإياكم رمضان وأعاننا فيه على الصيام والقيام وصالح الأعمال.
شارك المقال