الناجي صالح

الناجي حسن صالح

رئيس التحرير

• يجلس الرجال في ظل شجرة النيم التي لم تعد تظلل كما كانت.. الحر ثقيل على صدورهم حيث تمتنع النسمات عن زيارتهم.. يشربون الشاي الأسود المر بلا (محليات). 

يتحدثون عن الحرب.. عن الغلاء.. عن المرض الذي أكل أجساد أطفالهم.

ثم تمر سيارات فخمة رسمية.. بيضاء.. تثير غباراً أصفر.

يقول أحدهم: “ها هي د. سلمى تخاطب.”

يسكت الآخر. يشرب رشفة.. ثم يقول: “ود. نوارة تشدد.”

يهز الأول رأسه. “في الصباح، د. سلمى تدين.”

“وبعد الظهيرة، نوارة تفند.”

ينظرون إلى السيارة حتى تختفي.. لا شيء يتغير.. الغبار يستقر.. والحر يبقى.

في الأخبار، تقرأ.. الكلمات مثل الذباب.. تطن ولا تلدغ.

د. سلمى تثمن.. لا أحد يعرف ماذا تثمن.. أو لماذا..

د. نوارة تدعو.. لا أحد يعرف إلى ماذا تدعو.. أو من يستمع.

د. سلمى تشيد.. الأطلال لا تسمع التمجيد.

د. نوارة تشهد.. ولكن على ماذا تشهد؟ الشهادات تحتاج إلى من يسمع.

تحاول امراة أن تطهو شيئاً ما لا يشبه الطعام… الدقيق نفد.. الماء شحيح.. تنظر إلى المذياع.. صوت يقول: د. نوارة تؤكد.

تسأل المرأة رغم جوعها: “ماذا تؤكد؟”

لا أحد يجيب. المذياع يطن بصوت آخر.

تعود السيارات في المساء.. تمر بنفس الطريق.. تحمل الوجوه نفسها.. الابتسامات نفسها.. إلى حيث؟ لا أحد يدري.

يحسب رجل متعلم التكلفة.. البنزين.. الحماية.. الرواتب. يحسب ثمن الرحلة التي لا تذهب إلى مكان.. لو جمعت لاشترت دواء لأطفال القرية.. أو قمحاً.

لكن الحساب لا يغير شيئاً.. الغد، ستخرج السيارات مرة أخرى.. ستخاطب.. ستشدد.. ستؤكد.

والطحين لا يظهر.

ينهي الرجل شايه. النهار انتهى.. لم يأتِ شيء.. لم يتغير شيء.. فقط الغبار استقر على كل شيء.. والكلمات بقيت في الهواء.. مثل أي غبار سابق.

يبقى الرجال تحت الشجرة. لا يتحدثون. فالحديث عن الريح لا يوقفها.

إلا أنهم يعلمون أن موعد الدخول إلى بيوت خاوية قد حان.. وسيصبح الغد كاليوم… ستخرج السيارات مرة أخرى… ستخاطب… ستشدد… ستُعيد ترتيب الكراسي على سطح غارق.

وزيرتان… نعم.. إنهما ليستا أكثر من طلاء أبيض على صدأ قديم. ترضيات هزيلة كأنها حبة سكر في لقمة جائع. تمنح الأسماء وهم الفعل، وتقدم الكلمات بديلاً عن العمل.

الخلاصة واضحة كجرس (البيوت) في آخر حصة: إنهما لا يخبزان خبزاً.. لو كان بوسعهما ذلك في بيوتهما… لكان ذلك أرحم لنا ولهما ولأهل البلاد أجمعين.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *