
ملكة الفاضل
كاتبة وروائية
• أعرف أن علي أن أحكي معك بكل صدق وأمانة. هذا أقل ما أدين به لك وأنت من نعمت بصحبته في كل تلك اللحظات الرائعة المترعة بكل أسباب الحبور والتمني والثراء. كؤوس من هناء سقيتنيها وكلماتك بوح سقيا كم روت مساحات أنهكها الجدب والخواء.
بالتأكيد أطللت علي لا أعرف كيف وطلبت الإضافة لا أعرف كيف وقمت بإضافتك لا أعرف كيف، فأنا كنت وما زلت تلميذة في مدرسة هذه التقنيات المغرقة في الغموض والمفاجآت والتعلم الذي تتلقى دروسه في كل مكان ومن كل قريب أو غريب. شقيقي علمني أبجديات التعامل مع الحاسوب الذي أهدانيه ليساعدني في حفظ المحاضرات وشقيقتي علمتني كيف أتعامل مع الهاتف النقال الذي أرسله لي زوجها المغترب هدية بمناسبة نجاحي. وصديقاتي قدن خطاي وأنا أتلمس طريقي في عالم الانترنت والأسافير حيث العتمة توأم الضياء وحيث المعاني تضج بالغموض والوضوح وحيث القرب والبعد شيء واحد والعدوانية تتوشح اللطافة والأكذوبة تلبس ثوب الصدق، والتصديق إن لم تكن حذرا صار أنشوطة حول عنقك والعالم كل العالم بكل سحره وجنونه ومتاعبه ومشاكله وقصيده وموسيقاه وحربه وسلمه تجده أمامك شئت أم أبيت .
لم تكن أنت إحدى حكايات الأسافير التي تتردد في كل لحظة ومع كل ضغطة زر أو لمسة كي بورد ببساطة لا تجدها إلا على مسرح (الاسكايبي) او دهاليز (الفيس بوك) أو أروقة (الواتساب) أو أخاديد (الشات) والتواصل الاجتماعي التي تجد نفسك ضمن مجموعاتها دون أن تعرف كيف .
وحتما لم تكن ضمن مجموعة يتوزع أفرادها على قارات الدنيا السبع ويتبارى كل من فيها على إثبات أنه (إبن ربيعة) هذا الزمان يتنقل بأجنحة الهوى كما يشاء وأين شاء من بكين إلى برلين . لم تكن ترتاد هذي القروب أو تلك بثوب (كازانوفا) أومتقلدا سيف (دون كيشوت).
أستطيع أن أجزم بأنك لم تمارس القسوة على زميل لك بادعاء أنك «هي» من يبحث عنها وأنها على العهد ستظل. وباسمها الاسفيري الذي حفظه وتعلق به كما تعلق بها صارت هي أنشودته وعبير حياته حتى إذا ما دعاها إلى إكمال علاقة يرى فيها كل المنى اختفت من حياته وبضغطة زر تلاشت بين طيات الأسافير كما ظهرت. وبقي المسكين يبحث ولا يمل البحث وهو لا يعرف أنه كان ضحية لمزاح وقسوة أحد أقرب أصدقائه إليه على أرض الواقع.
أعرف أنك لن تخفي سنوات عمرك الحقيقي وتمنح نفسك شهادة ميلاد اسفيرية تتيح لك الوصول إلى من تظن أن سنوات عديدة هي الفارق بين عمريكما تبعدك عنها وتحرمك من إكمال تلك المناورات الاسفيرية التي تحقق بها شيئا من انتصار أو كما يتوهم الواهمون .
كما أعرف بأنك ستكون صريحا في مواجهة من يتخذ اسما وهوية مختلفة ليعرف إن كان بعض المقربين له على علاقات خاصة لا يعرف عنها شيئا .
أعرف كل هذا وغيره كثير لأنني عرفتك لست مثل الآخرين. أعرفك مثل نفسي ونبض روحي ومثل هذا الغصن الذي يطل كل صباح من نافذة غرفتي ليقول لي أن تلك الشجر ة ما زالت تقف شامخة كما عهدتها. تلك الشجرة التي شهدت صخب سنوات طفولتي وتقلبات محطات العمر المختلفة ومنها هذه المحطة التي أودع فيها الخامسة والعشرين وأنظر منها لسنوات قادمات أيها يحمل لي ما يجعل لكل شيء طعما مختلفا.
أعرفك وأنت معلمي ومدرستي بفصولها وأجراسها وحصصها وكتبها وأقلامها واعلم أنك بطريقة ما قدت خطاي في دروب الأسافير المغرقة في الغموض والضباب وجعلتني أغذ السير فيها بدون خوف الانزلاق.
الانزلاق أو التحذلق في عالم اللامعقول شهدت آثاره بين دموع صديقاتي و(بلوكاتهن) اتقاء لرياح لم تكن في الحسبان ومحطات مغادرة كم ارتدنها والقلوب تهفو إلى عالم لا يعرف سوى سكة الوصول.
ثم علامات التعجب والاستفهام عن تلك القوى العجيبة التي تنطلق في زوايا الأسافير ومنابرها وتجعلك في حيرة إزاء ما تطلقه من زوابع تجعلك رهن التساؤل إن كان الإنسان ظل منتظرا عبر الدهور هذا الاختراع الذي أسموه (الانترنت) ليطلق عبر أيقوناته كل ذلك الأزيز والدخان حتى ولو تحت اسم مستعار.
طرحت عليك تساؤلاتي وكلمتني عن العالم «هذه القرية الصغيرة» كما يحلو للمتكلمين عن الانترنت وصفه ومستطردا كنت تقول «يا ستي أنت باختصار جزء من هذا العالم»، وحينها فهمت أن علي تنمية ملكة التمييز عندي لأحدد إن كان علي الانخراط في هذي المجموعة أو الابتعاد عنها وأن اصنع لي قرن استشعار أميز به أي رسالة نكدية أو فيديو موغل في القسوة أو دعوة للتزحلق في مزالق المجهول.
شارك المقال