الرشيد المهدية يكتب: رحيل حبيب الكل علي قاقرين

32
الرشيد-المهدية

الرشيد المهدية - كندا

عندما كنت يافعاً،
كنت أحلم بأن أكون لاعباً لنادي الهلال، وأن أكون محبوباً مثل علي قاقرين…
كان علي قاقرين، قدوة لي في ريعان شبابي، لا لكونه هدافاً ماهراً وبطلاً قومياً ونجماً مرموقاً…
ولكن لأنه كان أيضاً ناجحاً في حياته الأكاديمية والمهنية،
فهو من قلة اهتمت بالتحصيل الأكاديمي، وبرزت بشكل متميز جداً بأي مستطيل أخضر وطئته قدماه الذهبيتان من أبناء جيله…
كان قاقا، ذهباً سودانياً خالصاً عيار 24…
بالرأس بالقدم اليمنى أو اليسرى…
كان هدافاً مرعباً، كان لاعباً فذاً،
‏وإنساناً قلما تجد مثله على وجه البسيطة، لبساطته، وتواضعه ونقاء سريرته…

علي قاقرين ماركة لا تتكرر، ومهاجم لم يتكرر!
إنسان على قدر عظيم من الأخلاق، ونجم أسطورة أثرى الملاعب بأهدافه الرفيعة القيمة،
وطنية كانت أو هلالية أو حتى ذهبية او حتى نصراوية سعودية…!
عندما عاد من مهمة عمل كدبلوماسي بدولة ساحل العاج، ناشده مجلس إدارة الهلال وقتها للعب مرة أخرى بعد اعتزاله… ولم يتردد، فحب الهلال عنده، أسمى…
وكانت ربما إحدى نعم الله عليّ شخصياً، أن تدربنا معاً وأنا في بداية عهدي بالهلال…
ولن أنسى أنه جلس معي على أرض غرفة اللاعبين حول حلة الليمون وقتها ، وقال لي، سيكون لك شأن يا رشيد، وهذه بضع نصائح لك،،،
وكانت أعظم هدية تلقيتها في حياتي الرياضية…
عمد على التأكيد لي بأن أهتم بدراستي، فهى التي تفتح لي آفاقاً أخرى كثيرة طيبة. وكان حديثه مطابقاً لحديث شقيقي الأكبر والذي من الصدف أن زامله بعد 7 سنوات لاحقة بوزارة الخارجية، السفير أبو محمد…
وكنت عندما أزور وزارة الخارجية، بالمبنى القديم بتقاطع شارع البرلمان مع شارع القصر، أقول إن لي، شقيقين، الأكبر د. حيدر حسن حاح الصديق، النجم الوطني المحبوب، قاقا، وشقيقي أبو محمد…
وكان شهوداً على ذلك زملاؤه، أبرزهم سعادة السفير، عبدالمحمود عبدالحليم…
وحينها، قررت في قرارة نفسي أن أكون دبلوماسياً مثله…
لذلك عندما، جاءتني فرصة الزمالك المصري، طلبت منهم، ترتيب فرصة الحصول على الشهادة المصرية ومواصلة الدراسة الجامعية، وقد كان أن نجحت في امتحان الشهادة المصرية، وتم قبولي بجامعة الزقازيق فرع بنها بقسم الآداب…
ولن أنسى أبداً أن أول رحلة لي مع الهلال خارج العاصمة كانت إلى مدينة الأبيض عروس كردفان…
وكان بالهلال وقتها نجوم وأسماء كبيرة، مصطفى النقر، التاج محجوب وحافظ عبيد والفاتح الريشة ومصطفى سيماوي وعبدالله موسى وعصام سليم وكتم وإبراهيم هارون الديسكو وأحمد آدم وبقية العقد الفريد…
وصحيح أنهم جميعاً نجوم كبار، وعلى قدر رفيع من الموهبة، إلا أن علي قاقرين نجح في سرقة الأضواء من الجميع بأهدافه الرائعة وتحركاته النادرة وحضوره الأنيق…
فكان الأكبر سناً والأكثر رشاقة والأمتع أداءً…
وتوالت الأيام، وظللنا على تواصل…
وذهبت إلى مصر وعدت إلى الهلال… ودارت الأيام…
وبعد أن تقدمت لمجلس إدارة الهلال بطلب إخلاء خانتي، قمت بإصدار صحيفة، الصقر الرياضية الثقافية…
وكان أول قرار اتخذته هو أن يكتب لي الكابتن د. علي قاقرين عموداً ثابتاً… ومعه الكبيران الفاتح النقر للتحليل وعمار خالد… وقد كان…
وللتاريخ قال لي وقتها، سندعم صحيفتك لأنها تمثلنا، ولا تفكر أبداً في مكافأتي ولا زملائي، وقد كان…
كان قاقا، أخاً كبيراً حتى قبل توعكه الأخير ، وظل على مدار عقود، يحفظ الود، ويسبقني بالسؤال عن حالي وأهلي…
كان يغمرني بإعجاب هو تاج على رأسي، وكنت أقول له، أنت الذي تستحق هذا وأنت قدوتنا، وبطلنا القومي وحبيب الكل… كان تواضعه يسبقه في كل اتصال وكلما التقينا…
علي قاقرين،
اسم، وعلم سطّر تاريخاً خالداً بفضل الله في تراث الوطن لاستثنائيته…
علي قاقرين Hero، لأسرته وأهله وزملائه ولمن يعرف قيمته، ولنا بالهلال وما وراه…
وهو من تراث
نادي النصر السعودي…
وبطل قومي كتب اسمه بأحرف راسخة في ذاكرة البلاد…
عشقناه مثل الملايين…
وعلى مدار عقود…
إنسان نادر…
يسبقك بإرسال الدعوات لك كل أسبوع وهو الكبير …
متواضع بشكل لا مثيل له…
في غضبه أدب جم، وفي استيائه براءة وطيب نفس… وفي معاشرته، نعمة لمن كانوا حوله…
رحل قاقا وترك لنا، إرث حب الخير للآخرين….
وأذكر أنه قد وصلتني دعوة بعد 11 أبريل 2019، لندوة من إخوة أعزاء، للتشاور حول ترشيح أسماء لمنصب وزير الرياضة بنادي التنس الخرطوم…
وعندما تحدثت، قلت ليس هنالك من يستحق المنصب أكثر من الكابتن، د. علي قاقرين، فنلت من الشتائم ما نلت من رجال هم من أبناء الهلال، أو قل من الوسط الرياضي…
لقد اتهموه “بالكوزنة والعمالة وبأنه أمنجي”… ودافعت عنه ما استطعت… وأشرت فقط إلى أن العمل في مجال تخصصك كمستشار لخدمة وطنك في ظل نظام سياسي بعينه لا يعني خيانة، وأن ليس كل موظف بالدولة يؤدي عمله، بالضرورة، أيدولوجياً منظم… وقلت…
قوله تعالى “ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد”… وذهبت في حالي…
فاتصل بي شاكراً، وشرح لي ما العمل الذي كان يقوم به، وقلت له، ما ظللت أقوله دائماً،
هذا الوطن موبوء بثقافة اغتيال إنسانه أدبياً، وبتصفية الحسابات عن عمد بتلفيق التهم الجائرة وأنت كتاب مفتوح، وقلت له “من منا أو منهم لا يعرف تاريخك ولا يعلم بقيمك وخلقك ومهنيتك…”
ولم أنجُ من الاتهامات مثله وقتها…
وضحكنا، ومشينا في طريق مقمر….. في حب الوطن…!
قاقا،
البطل الذي لم يفارقني طوال حياته،،،
وسيكون بفضل الله معي حتى بعد وفاته في صلواتي…
كان الأخ الأكبر، والصديق النصوح، كان القدوة… والمثل الأعلى…
ولا زالت كلماته،
تدفعني للمضي قدماً. وتحرك شغفي لخدمة وطننا الأم…
موته أخبرني أن الحياة طريق سريع يمر به الأوفياء المخلصون؛ ليتركوا في قلوبنا أثراً جميلاً خالداً بفضل الله…
كان د. حيدر، الكابتن الحبيب علي قاقرين:
الصديق الذي كانت مودته كالكوثر العذب لا يغتالها الكدر…
صافي السريرة، محض الود، لا ملق في لفظه لا ولا في قلبه وضر…
العزاء لأسرته الصغيرة وأسرة نادينا الهلال وللأمة جمعاء…
جبر الله كسرنا…
أسأل الله العلي القدير الغفور الرحيم أن ينعم عليه من فضله العظيم، بالفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
إنا لله وإنا إليه راجعون…

 

شارك الموضوع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *