د. مالك ساتي يضرب جرس الخطر بمقاله «معركة ما بعد معركة الكرامة» 

76
طارق عبدالله علي

طارق عبدالله علي

كاتب صحفي

• ​في مقال «معركة ما بعد معركة الكرامة»، يضرب الدكتور «مالك ساتي» جرس الخطر بأن الانهيار المادي هو المدخل الفعلي لابتلاع قيم المجتمع وتآكل نسيجه الأخلاقي، حيث يؤكد ساتي أن التحدي الأكبر يكمن في مواجهة الفراغ القيمي الذي تخلفه الحرب، وفي مضمون مقاله المهم كان منهجه ذكياً؛ إذ دعا إلى البدء بإعادة البناء المادي لحياة المواطن، معتبراً الاستقرار الاقتصادي هو الأساس القوي وأول خط دفاع اجتماعي ضد ثقافة العنف والتفلت.

​تتجلى عبقرية الطرح في تحليل الدكتور ساتي للترابط بين فقدان مقومات الحياة الأساسية «كالمأوى والغذاء» وانهيار الوازع الأخلاقي. المواطن الذي يفتقد الأمن الاقتصادي يصبح فريسة لثقافة البقاء للأقوى والسلوكيات الأنانية. ويوثق الدكتور مالك هذه الحقيقة المؤلمة بأمثلة صادمة من الواقع، كقصص نهب الجيران واستغلال النازحين. وبهذا يشير إلى أن إعادة البناء المادي تحقق هدفاً اقتصادياً، وتوفر في الوقت ذاته الحماية للضمير المجتمعي من التآكل والوقوع في شرك السلوكيات المشوهة، وتعيد الأمن للقيم الموروثة.

​يربط المقال هذا التدهور الأخلاقي مباشرة بانهيار المنظومة الثقافية والتعليمية. تجاوز الكاتب تدمير المؤسسات المادية، وقام برصد الأثر الأعمق من كل ذلك؛ وهو تغيير الأنماط السلوكية عبر أدوات جديدة، فالنقطة المفصلية هنا هي التحدي الذي طرحه الدكتور ساتي بشأن دور «وسائل التواصل الاجتماعي». فقد تحولت هذه الوسائل إلى جبهة جديدة للحرب على «مفهوم العيب والحرام». هذا التغيير الثقافي يجعل معركة الإعمار اللاحقة أكثر صعوبة، فهي معركة ضد الاستلاب القيمي الذي يتسرب بهدوء ليصبح جزءاً من الذاكرة الجمعية.

​يصل المقال إلى ذروته في إثارة الخطر الوجودي المتمثل في تحول «أخلاقيات الأزمة» إلى «أزمة أخلاقيات» دائمة في الأجيال الناشئة. هذا يضع عامل الوقت كأشرس عدو لإعادة البناء القيمي. فالجيل الذي ينشأ في بيئة تسودها ثقافة النهب وغياب القانون، سينفصل حتماً عن قيمه. هذا النداء الضمني لإعادة الإعمار يجب أن يفهم على أنه دعوة لبذل جهود وقائية وعلاجية في وقت واحد، ومن الضرورة تتطلب الجهود الوقائية سرعة «إرساء القانون»، و«استعادة المؤسسات المادية»، بينما تستدعي الجهود العلاجية تعزيز دور المؤسسات التربوية والثقافية في غرس قيم العدالة والتسامح والمواطنة.

 يضع مقال الدكتور مالك ساتي خارطة طريق واضحة للتعافي، تنطلق من أن المعركة الحقيقية تدور أهميتها حول استعادة الإنسان قبل استعادة الأرض. الانهيار الاقتصادي هو تهديد وجودي ينشئ جيلاً متخلياً عن قيمه. بالتالي لا بدّ أن يتمدد الانتصار فيما بعد في «معركة ما بعد معركة الكرامة» باستعادة الأمن الاقتصادي للمواطن، وغرس قيم العدالة في وجدان الجيل القادم. ويمثل المقال دعوة مهمة للعمل الفوري، لضمان أن تبقى الروح والقيمة منتصرة على الدمار واليأس.

 

شارك المقال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *